في 4 مارس 2020، عقدت القسط مع الفدرالية الدولية لحقوق الإنسان ومؤسسة رايت لايفليهود ندوة في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة بعنوان: "الإصلاحات الشكلية والحملة الدعائية لتلميع انتهاكات لحقوق الإنسان". تحدث في الندوة أحد النواب في البرلمان الأوروبي واثنتان من أسر الضحايا، وسلطوا الضوء على التباين بين صورة الإصلاح التي تحاول السلطات السعودية تقديمها عن نفسها والوضع المزري لحقوق الإنسان على أرض الواقع، ودعت الندوة المجتمع الدولي لزيادة الجهود لمحاربة الإفلات من العقوبة في السعودية.
أدارت الحوار جوليا ليغنر، وهي مسؤولة الحملات في القسط ومستشارة حقوق إنسان مستقلة، وناقشت في مقدمتها الاندفاع الأخير لدى السعودية للاستثمارات الضخمة في الرياضة والترفيه، وتطبيق بعض الإصلاحات الشكلية التي لا تعالج جوهر المشاكل المعنية، مثل السماح للمرأة بطلب جواز السفر دون الحاجة لإذن ولي الأمر.في المقابل، نشهد تفاقمًا في قمع حرية التعبير والنقد السلمي، بحملات اعتقال جديدة ومحاكمات مستمرة للنشطاء السلميين، والإفلات المستمر من العقوبة في جريمة قتل الصحفي جمال خاشقجي، وازدياد استخدام عقوبة الإعدام، والانتهاكات المستمرة في اليمن.
تحدثت أريج السدحان عن قضية أخيها عامل الإغاثة الإنسانية المعتقل عبد الرحمن السدحان. في هذا الشهر، مارس 2020، تمر ذكرى سنتين على اعتقال عبد الرحمن السدحان من مكان عمله في مقر الهلال الأحمر في الرياض، الذي تلتها فترة مطوّلة من الإخفاء القسري. وتحدثت أريج السدحان عن الوقع العاطفي الذي حمله اختفاؤه عليها وعلى أسرتها، لخوفهم من أسوء الاحتمالات وحيرتهم حول ما إذا كان ما يزال حيًا، خصوصًا بعد جريمة قتل جمال خاشقجي. استمرت هذه المعاناة 23 شهرًا حتى سمح لأخيها بإجراء مكالمة واحدة في 12 فبراير 2020 أعلمهم فيها أنه ما يزال حيًا.
تحدثت السدحان عن ممارسة الإخفاء القسري في السعودية التي أصبحت ممنهجة ومنتشرة. يمكن لفترات الإخفاء القسري أن تطول لعدة أسابيع أو شهور، بل وتصل للسنوات في مثل حالتي الصحفيين مروان المريسي وتركي الجاسر.يحرم القانون الدولي لحقوق الإنسان هذه الممارسة قطعًا، ولكن السلطات السعودية تستمر باستخدامها لإيصال رسالة بأن لا أحد في مأمن من العقاب، وتوظفها السلطات كشكلٍ من أشكال التعذيب النفساني لأسر الضحايا. وفي سعيها لتحسين سمعتها، تنفق السلطات السعودية اليوم الملايين على الحملات الدعائية، ولكن سجل السعودية، كما أشارت السدحان، لا يمكن أن يتحسن إلا بالعمل الإصلاحي الصادق، مثل الإفراج عن معتقلي الرأي. والآن وها هي السعودية تفتح أبوابها للعالم وتستعد لاستضافة قمة العشرين في نوفمبر 2020، هذه فرصةٌ سانحة لهكذا عمل.
وتحدثت لينا الهذلول عن نشاط أختها المدافعة عن حقوق الإنسان السعودية لجين الهذلول، مثل الدعوة لرفع الحظر عن قيادة المرأة، وإلغاء نظام ولاية الرجل، وفتح الملاجئ للناجيات من العنف الأسري. قابلت السلطات نشاطها بالاعتقال لمدة 73 يومًا في 2014، بعد أن حاولت العبور بالسيارة عن طريق الحدود الإماراتية السعودية، ومرةً أخرى في مارس 2018 بعد حضورها ندوة سيداو في الأمم المتحدة، حيث عوقبت بمنع سفر.
تحدثت الهذلول عن اعتقال أختها الأخير في مايو 2018، حيث اعتقلت السلطات السعودية لجين الهذلول من منزلها، ولم توفر لأسرتها أية معلومات لحوالي شهر كامل، واكتشفوا لاحقًا أنها محتجزة في مكان غير رسمي. وحين سمح بزيارتها في أغسطس 2018، كانت آثار التعذيب واضحةً عليها. ظلت لجين الهذلول محتجزة دون محاكمة لمدة 10 شهور، ولم تبدأ محاكمتها إلّا في مارس 2018. وبما يتناقض مع تعليقات ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في مقابلته مع بلومبيرغ في أكتوبر 2018 حيث صرّح أن اعتقال الناشطات كان على خلفية أعمال تجسس، كانت التهم الموجهة إليهن مرتبطة حصرًا بنشاطهن الحقوقي، بما في ذلك التواصل مع نشطاء حقوق الإنسان والمنظمات الحقوقية والدبلوماسيين. عُلِّقَت المحاكمة في أبريل 2019، في الوقت الذي كانت في لجين محتجزة في الانفرادي، واستمرت في يناير 2020 دون تغير في التهم.
تحدثت فرانشيسكا غارباغناتي، وهي مساعدة العضوة في البرلمان الأوروبي أليساندرا موريتي، بالنيابة عن السيدة موريتي التي لم تتمكن من الحضور. وصفت موريتي منهجية "الجزرة والعصا" التي يتخذها محمد بن سلمان، حيث قدّم رؤية 2030 وبرنامج إصلاحات اجتماعية من جهة، وقلَّص فضاء الحقوق والحريات الأساسية من جهة أخرى. يمكن رؤية ذلك فيما يتعلق بقمع حرية التعبير والتجمع، بما في ذلك جريمة قتل الصحفي جمال خاشقجي وسجن المدافعين عن حقوق الإنسان، وفيما يتعلق بحقوق المرأة، من استمرار نظام ولاية الرجل في عدد من جوانب الحياة منها الصحة والزواج والجنسية، وفيما يتعلق أيضًا بحرب اليمن، أسوء كارثة إنسانية على وجه الأرض.
وعليه، حثت موريتي المجتمع الدولي بالتبحّر في الوضع ودراسته، وجادلت أن استضافة الفعاليات الرياضية أو منح بعض الحقوق الاجتماعية-الاقتصادية لا يجب أن تستخدم لإهمال الحقوق الأساسية. ومع خطة إقامة قمة العشرين في السعودية في نوفمبر 2020، وكون رئاسة القمة مبنية على وعود بتمكين المرأة، لدى الاتحاد الأوروبي دور مهم يؤديه في محاسبة السعودية، بما في ذلك تأسيس موقف مشترك حول حقوق الإنسان والتجارة، بما في ذلك تجارة السلاح. وذكرت موريتي سؤالًا مكتوبًا أرسل مؤخرًا لهيئة الاتحاد الأوروبي حول رئاسة السعودية لقمة العشرين، الممكن قراءته عبر هذا الرابط.
وَوصف يحيى عسيري، ناشط حقوق الإنسان ومدير القسط، الحملة الدعائية الأولية لمحمد بن سلمان قبل أن يصبح وليًا للعهد بالحملة الناجحة نسبيًا، حيث رأت فيه العديد من القيادات العالمية الشخصية "الإصلاحية". لكن الصور سرعان ما تبددت عندما أصبح بن سلمان وليًا للعهد وضلع في ارتكاب انتهاكات حقوق الإنسان. ورغم وعد محمد بن سلمان في 2018م، مثلًا، بالخفض من استخدام عقوبة الإعدام، أُعدِم 185 فردًا في 2019، العدد الأكبر في تاريخ السعودية القريب، واعتقلَ كل صوت ناقد، بل ومسّ قمعه حتى من التزم الصمت، وامتنع عن الإفراج عن معتقلي الرأي، على عكس عادة القيادات الجديدة في السعودية، وأصبح التعذيب أسوء كمًّا ونوعًا من أي وقت مضى، حيث تستخدم أكثر الأساليب وحشية، منها الصعق الكهربائي، والتحرش الجنسي، والتعذيب النفساني.
وحول ما يمكن فعله، شدد عسيري على أهمية النقد الصريح وتسليط الضوء على المخالفات والانتهاكات. بينما تنصح السلطات أهالي المعتقلين بالصمت المطبق، قائلةً لهم إن الضغط العلني لن يزيد الأمور إلا سوءً، فمن الجلي أن تلك نصيحة كاذبة، كما تَبَيّن لأسر الضحايا مثل عبد الرحمن السدحان ولجين الهذلول. والأمر لا يختلف على مستوى الدول. فحينما تمتنع الدول عن النقد الصريح، بسبب علاقتها الاستراتيجية مع السعودية مثلًا، يشجع ذلك السلطات على الاستمرار في الانتهاكات. قد تقول السلطات إن الإصلاح في الطريق، وتحثنا على توخي الصبر، فهذه الإصلاحات لم تحدث، ولا حتى خطوات الإصلاح الأساسية مثل الإفراج عن معتقلي الرأي. نظرًا للانتهاكات المستمرة والجسيمة لحقوق الإنسان، هنالك حاجة ملحة للضغط الجماعي، بما في ذلك على مستويي الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي، لإنهاء الإفلات من العقوبة في السعودية ومحاسبة المسؤولين عن الانتهاكات فيها.