في 8 ديسمبر 2023، بحث مؤتمر القسط التقليدي لليوم العالمي لحقوق الإنسان موضوع "متابعة سبل المساءلة في مناخ من القمع". وذلك بعد دراسة الوضع الأخير في السعوديّة ومنطقة الخليج الأوسع. وقد شارك في المؤتمر متحدثون خبراء من العفو الدولية، ومنَا لحقوق الإنسان، وسلام للديمقراطية وحقوق الإنسان، والمركز العماني لحقوق الإنسان، وفير سكوير، ومبادرة الحريّة، ومجموعة مشجّعي نادي نيوكاسل يونايتد لكرة القدم ضدّ تحسين السمعة بالرياضة. وفي ضوء الأحداث المروعة التي تتكشف في المنطقة، أعرب رؤساء الجلسات والمتحدثون طوال المؤتمر عن تضامنهم مع شعب فلسطين.
وفيما يلي بعض أبرز أحداث اليوم:
الجلسة الأولى: اشتداد القمع: تقييم حالة حقوق الإنسان في السعوديّة، أدارها نائب مدير القسط، جوشوا كوبر.
أشارت دانا أحمد، وهي باحثة في شؤون الشرق الأوسط في منظمة العفو الدولية، إلى الزيادة الكبيرة الأخيرة في حملات القمع ضد حرية التعبير، لا سيما من خلال العمل بأنظمة مكافحة جرائم الإرهاب وجرائم المعلوماتيّة. وسلّطت الضوء على الانتهاكات المستمرة، مثل فرض حظر السفر على المدافعين عن حقوق الإنسان الذين أُفرج عنهم. كما لفتت أحمد الانتباه بشكل خاص إلى عقوبة الإعدام الصادرة بحق محمد الغامدي على خلفية التعبير السلمي عن الرأي على شبكة الإنترنت. الأمر الذي يشكّل تصعيدًا مقلقًا في عمل البلاد بعقوبة الإعدام. ومنذ الاستعراض الدوري الشامل (UPR) الأخير للسعوديّة في عام 2018، أعدمت السلطات السعوديّة أكثر من 550 شخصًا. واختتمت أحمد بالحديث عن قضايا قانون الأحوال الشخصيّة السعودي: كشفت أبحاث العفو الدولية أنه فيما يؤمل أن يقلل القانون من التناقضات في أحكام القضاة في قضايا الأحوال الشخصية، إلا أنه لا يزال يديم منظومة ولاية الرجل، الذي وعدت السلطات بإلغائه بالكامل.
وقدّمت فلاح سيد، وهي موظفة شؤون حقوق الإنسان في منظمة منَا لحقوق الإنسان، سياقًا حول الافتقار التام إلى الحيز المدني في السعوديّة. وأوضحت أن إحدى أكبر المشاكل في هذا الصدد هي جهاز أمن الدولة القمعي، الذي يضم هيئة حقوق الإنسان السعودية. كما أوضحت سيد أنه في حين أن هدف هيئة حقوق الإنسان المعلن هو حماية حقوق الإنسان وتعزيزها في السعودية، إلا أن آلية الشكاوى الخاصة بها غير فعالة تمامًا. واستشهدت بلجين الهذلول وسلمى الشهاب كقضيتين رمزيتين توضحان ذلك: في كلتا القضيتين، لم تأخذ الهيئة في الاعتبار مزاعمهما بالانتهاكات بل قامت في الواقع بالتستر عليها. كما وأشارت سيد إلى قضايا أخرى تجاهلتها هيئة حقوق الإنسان أو تسترت عليها، ومن بينها شبان قد أُصدرت عقوبة الإعدام بحقهم على خلفية جرائم مزعومة ارتكبوها وهم قاصرون. علاوة على ذلك، في حين أن هيئة حقوق الإنسان تمتلك سلطة صياغة القوانين الإشكاليّة وتعديلها، فقد أشادت بدلًا من ذلك باعتماد مثل هذه القوانين وأدلت ببيانات مضللة حول تغييرات تشريعيّة. وأشارت سيد إلى أنه على الرغم من افتقار هيئة حقوق الإنسان السعوديّة التام للاستقلالية والفعالية، إلا أنها حظيت باعتراف واسع النطاق من الدول في جميع أنحاء العالم.
الجلسة الثانية: النضالات المشتركة في الخليج: التصدي لاستراتيجيات التبييض، أدارتها رئيسة الرصد والمناصرة في القسط، لينا الهذلول.
تناول جواد فيروز، وهو مؤسس ورئيس سلام للديمقراطية وحقوق الإنسان، المخاوف البيئية في الخليج، وفشل السلطات في معالجة التهديدات البيئية. وعلى الرغم من ادعاءات جميع دول مجلس التعاون الخليجي بأنها تعطي الأولوية لمعالجة تغير المناخ، والجهود المتضافرة للنشطاء البيئيين في المنطقة، لم تبذل السلطات أي جهد جاد لمواجهة تأثير التدهور البيئي. وأوضح فيروز أن الأنظمة السياسية لدول مجلس التعاون الخليجي قائمة لخدمة مصالح العائلات المالكة الحاكمة. وهذا الأمر يساعد على شرح مختلف الاستثمارات التي تقوم بها دول المجلس في الأحداث الرياضية وغيرها: فهدفها هو تعزيز صور هذه الدول وتبييض سجلاتها الحقوقية.
تناول نبهان الحنشي، وهو مؤسس ورئيس المركز العماني لحقوق الإنسان، القضايا البيئية في عمان، ومن بينها تفاقم الكوارث الطبيعية وزيادة تلوث المياه نتيجة للنفط. وأوضح الحنشي أن المجتمع المدني يخضع دائمًا لمراقبة دقيقة من السلطات، وليس لديه أي وسيلة لممارسة ضغوط ذات مغزى على السلطات العمانية لاتباع سياسات صديقة للبيئة. وقد قال الحنشي، متطرقًا إلى انتهاكات حقوق المرأة في عمان، إن القوانين العمانية لا توفر ضمانات كافية؛ فلا يزال العنف المنزلي ضد النساء منتشرًا على نطاق واسع، ولا تزال النساء يتعرضن للقتل على يد أزواجهن وأفراد أسرهن بينما لم تحرّك السلطات ساكنًا لمعالجة هذه القضية. بالإضافة إلى ذلك، لا تزال المرأة العمانية غير قادرة إلى حد كبير على نقل جنسيتها إلى أطفالها بنفس الطريقة التي ينقلها الرجال العمانيون.
قالت ابتسام الصائغ، وهي مدافعة بحرينية بارزة عن حقوق المرأة، للمؤتمر إنه على الرغم من جميع تقارير السلطات التي تشير إلى إحراز تقدم، لا تزال المرأة البحرينية محرومة من العديد من حقوقها الإنسانيّة الأساسيّة، ومن بينها حق نقل جنسيّتها إلى أطفالها أو الحصول على جوازات سفر لأطفالها – حتى في ظلّ غياب الأب. وقد فشلت المؤسسات التي أنشئت لتعزيز حقوق المرأة وحمايتها، مثل المجلس الأعلى للمرأة في البحرين، في القيام بذلك حتى الآن. ولم يحقق المجلس الأعلى المساءلة عن انتهاكات حقوق المرأة، سواء ارتكبها أفراد الأسرة أو السلطات البحرينية. كما أن المجلس لم يدن الانتهاكات المرتكبة ضد البحرينيات المدافعات عن حقوق المرأة – فقد تعرضت الصائغ نفسها للعنف والتحرش الجنسي والتعذيب – في الواقع تجاهل شهاداتهنَّ. علاوة على ذلك، أوضحت أن زوجات معتقلي الرأي محرومات من أي شكل من أشكال الدعم من السلطات. وأضافت الصائغ أن تعيين النساء في مناصب مهمة في البرلمان البحريني لم يحدث أي تغييرات إيجابية لصالح النساء.
الجلسة الثالثة: دور صندوق الاستثمارات العامة في التنويع الاقتصادي والعلامة التجارية الوطنية، أدارتها المديرة التنفيذية للقسط، جوليا ليغنر.
بدأت هذه الجلسة بسيليا لو نوي، وهي مسؤولة المشاريع في القسط، التي وصفت قضايا حقوق الإنسان المرتبطة بأحد أبرز مشاريع صندوق الاستثمارات العامة داخل السعودية، وهو مشروع مدينة نيوم العملاقة. بالإضافة إلى الانتهاكات التي ارتكبت ضد أفراد قبيلة الحويطات، كما هو موثق في تقرير رئيسي للقسط، أثارت لو نوي مخاوف بشأن مراقبة رقمية واسعة النطاق من المقرر تنفيذها في نيوم، وذلك بالنظر إلى القمع الشديد الذي تمارسه السلطات السعودية على حرية التعبير على شبكة الإنترنت. وأشارت إلى أن مدينة نيوم سيتم بناؤها إلى حد كبير من قبل عمال مهاجرين، الذين ما زالوا يتعرضون للاستغلال بشكل منهجي في إطار نظام الكفالة. كما سلّطت الضوء على بعض أسوأ الآثار التي ستحدثها مدينة نيوم على البيئة بسبب الطبيعة كثيفة الطاقة والمياه لبناء مدينة الصحراء الكبرى وصيانتها.
تحدث جون هيرد، وهو أحد مؤسسي مجموعة مشجّعي نادي نيوكاسل يونايتد لكرة القدم ضدّ تحسين السمعة بالرياضة، عن الآثار المترتبة على حقوق الإنسان لاستحواذ صندوق الاستثمارات العامة على نادي نيوكاسل يونايتد لكرة القدم، بالإضافة إلى تأثيره المحتمل على الديمقراطية المحلية في نيوكاسل نفسها. وقد وصف الخطوات التي اتخذتها السلطات البريطانية بشكل خاص لضمان المضي قدمًا في عملية الاستحواذ. وأشار إلى الحجج السابقة التي قدمها مؤيدو الاستحواذ بأن صندوق الاستثمارات العامة كيان منفصل عن السلطات السعودية، وهو ادعاء دحضته القسط وآخرون منذ ذلك الحين. وقد تحدث هيرد عن عمل المجموعة في تسليط الضوء على قضايا محدّدة، مثل الشبان التسعة المعرضين حاليًا لخطر الإعدام الوشيك في السعودية. كما شرح ما يمكن أن يفعله المشجعون الذين يعارضون انتهاكات السلطات السعودية لحقوق الإنسان. وشدّد على أهمية الحملات الشعبية لإحداث تغيير، واستشهد بنجاح زيارة القسط الأخيرة المتمثّلة بلينا الهذلول إلى نيوكاسل كمثال رئيسي. وفيما يتعلّق باستضافة السعودية لكأس العالم 2034، لفت هيرد الانتباه إلى الانتهاكات المحتملة التي قد تُرتكب ضد العمال المهاجرين، مشيرًا إلى قضايا مماثلة مع كأس العالم 2022 في قطر.
وتحدث جيمس لينش، وهو مؤسس ومدير مشارك لمنظمة فير سكوير، بمزيد من التفصيل عن هدف صندوق الاستثمارات العامة. فقد بدأ كصندوق ثروة سيادي محافظ نسبيًا، لكنه تحول تحت قيادة محمد بن سلمان إلى أداة استثمارية أكثر تطرفًا وطموحًا وعالية المخاطر ومبهمة حتى. وذلك بالتوازي مع التوطيد المستمر لسلطة الدولة المركزية في السعودية. بالإضافة إلى مشاريع مثل نيوم، تحدث لينش عن استثمار صندوق الاستثمارات العامة في الرياضة في محاولة لتغيير تصور العالم للسعودية والتواصل مع مختلف الفئات السكانية، مثل مجتمع الأعمال، وبالتالي تطبيع السعودية كمكان للاستثمار والعمل. كما تناول استثمارات الصندوق الضخمة في التكنولوجيا، والتي استخدمتها السلطات على نطاق واسع لقمع المعارضة، وعزمه على التأثير بشكل مباشر على السياسة الدولية. وجادل لينش بأن استثمار صندوق الاستثمارات العامة في دول أخرى يوفر حاجزًا ضد أي رد فعل على انتهاكات السعودية لحقوق الإنسان. وحثّ الشركات الأجنبية التي تعمل مع صندوق الاستثمارات العامة على تحليل الطريقة التي تساعد بها في تعزيز البنية القمعية للدولة السعودية.
وصف عبدالله العودة، وهو المدير السعودي لمبادرة الحرية، افتقار صندوق الاستثمارات العامة التام للاستقلال عن الدولة السعودية، موضّحًا أن ولي العهد الأمير محمد بن سلمان يرأسه. وقد تم إنشاؤه، ولا يمكن حلّه، إلا بمرسوم ملكي. وهذه الحقائق تتناقض مع التطمينات التي قال الدوري الإنجليزي الممتاز أنه قد تلقاها قبل السماح بمواصلة عملية الاستحواذ على نيوكاسل. ويجب أن يحصل كل قرار رئيسي يتخذه الصندوق على موافقة ولي العهد. وأشار العودة إلى مقابلة تلفزيونية رسمية سعودية كشف فيها محافظ صندوق الاستثمارات العامة، ياسر الرميان، بأن قرارات الأغلبية في مجلس إدارة الصندوق قابلة للإلغاء من الملك إذا كان رئيسه، ولي العهد، لا يتفق معها. كما ناقش العودة النشاط الإجرامي الذي يقوم به صندوق الاستثمارات العامة – على سبيل المثال، ملكيته لطائرتين خاصتين نقلتا قتلة جمال خاشقجي إلى اسطنبول – وجهوده للتأثير على السياسة الدولية، لا سيما في الولايات المتحدة. كما يبحث تحقيق أجراه الكونغرس الأمريكي بقيادة لجنة بلومنتال فيما إذا كانت ملكية الصندوق لغالبية جولات الغولف في بغا (PGA) ستؤثر على الانتخابات المحلية في الولايات المتحدة أيضًا.
الجلسة الرابعة: حشد النشطاء في المهجر، أدارها مسؤول الرصد والحملات في القسط، عبد الله الجريوي. تناولت هذه الجلسة الختامية من المؤتمر تجارب النشطاء السعوديين العاملين في المهجر، وكشفت سبل إحداث تغيير تدريجي في السعودية من خارج البلاد.
أكد يحيى عسيري، وهو مدافع سعودي بارز عن حقوق الإنسان ومؤسس القسط، أن الافتقار التام إلى الحيز المدني في السعودية يجعل أمر العمل في البلاد مستحيلًا على نشطاء حقوق الإنسان. فإن هيمنة الرواية الرسمية تمنع الناس من التعامل مع وجهات النظر التي تعبر عن المعارضة أو النقد للسلطات السعودية والعائلة المالكة، التي تسيطر على جميع جوانب المجتمع السعودي، بما في ذلك النظام القضائي والتعليمي. وأوضح عسيري كيف يتم استخدام الدين لشيطنة أولئك الذين يعبّرون سلميًّا عن معارضتهم للسلطات السعودية: فيتم تصوير هؤلاء الأشخاص من قبل السلطات على أنهم يشنّون حربًا ضد الإسلام والمسلمين. ومع ذلك، تحدث عسيري أيضًا عن النجاحات العديدة التي حققتها القسط، وهنّأ المنظمة على تحقيقها نقطة تحول مهمة في الوعي بحقوق الإنسان بين الشعب السعودي. كما شدد على أهمية الاستمرار في بذل جهود جماعية منظّمة لتعزيز حقوق الإنسان وحمايتها في السعودية، وذلك على الرغم من العقبات الكبيرة. ويعتقد عسيري أن الوضع في البلاد سيكون أسوأ بكثير بدون عمل مجموعات مثل القسط وشركائها.
وروت فوز العتيبي، وهي ناشطة في وسائل التواصل الاجتماعي وشقيقة مناهل ومريم العتيبي، قصة اعتقال مناهل العتيبي ونضالات أختها مريم، التي واجهت حظر سفر غير رسمي منذ 2017/18. وأوضحت فوز أنها، وعلى الرغم من جهود مريم للتواصل باحترام مع السلطات السعودية للحصول على قرار واستنفاد جميع القنوات المتاحة، لم تتلق أي رد أو دعم من السلطات. وبالتالي اضطرت إلى اللجوء للتحدث علنًا على وسائل التواصل الاجتماعي. بعد ذلك، تلقت (مريم) حكمًا بالسجن لمدة أربعة أشهر وغرامة مالية قدرها 100,000 ريال سعودي لمناقشة حظر سفرها علنًا. ووصفت فوز محاولاتها لدعم شقيقاتها بوسائل مختلفة، بالنظر إلى أنها تقيم حاليًا خارج السعودية. فهي الوحيدة من بين الشقيقات الثلاث التي تمكنت من طلب اللجوء في المملكة المتحدة، حيث تشارك قصة عائلتها مع العالم.