في 2 يوليو 2024، كجزء من رحلة المناصرة إلى جنيف خلال الدورة السادسة والخمسين لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، سلطت رئيسة قسم الرصد والمناصرة في القسط، لينا الهذلول، الضوء على الحاجة الملحّة لمعالجة حالة حقوق الإنسان المتدهورة في السعوديّة، ولا سيما الانتهاك الواسع النطاق لحقوق المرأة في البلاد. وقد كانت تتحدث في حدث جانبي يديره ممثل مركز الخليج لحقوق الإنسان في جنيف، مايكل كامباتا، قبل اعتماد الاستعراض الدوري الشامل للسعودية في 4 يوليو، إلى جانب ممثلين عن مركز الخليج لحقوق الإنسان، والمنظمة الأوروبيّة السعوديّة لحقوق الإنسان، ومنَا لحقوق الإنسان.
وأشارت دعاء دهيني، باحثة في المنظمة الأوروبيّة السعوديّة لحقوق الإنسان، إلى استخدام السلطات السعوديّة للاستعراض الدوري الشامل كأداة لتعزيز صورة إيجابية عن نفسها وعن البلاد ككل. وأشارت إلى أنه على الرغم من أن ممثلي السعوديّة قد تحدثوا عن إصلاحات جذريّة في جلسة مجلس حقوق الإنسان السابقة، إلا أنه لا يزال من المستحيل على أي ناشط أو مدافع عن حقوق الإنسان مقيم في السعوديّة المشاركة بحريّة في هذه الجلسات. وتستمرّ المحكمة الجزائيّة المتخصّصة في البلاد، وهي ولاية قضائية استثنائية أنشئت في عام 2008 للنظر في قضايا الإرهاب، في محاكمة العشرات من المدافعين عن حقوق الإنسان والناشطين إصدار العقوبات بحقّهم.
وأشارت دهيني إلى الانتهاكات من بينها الأحكام التعسفيّة الطويلة للغاية؛ وسوء المعاملة في السجون؛ والاختفاء القسري؛ وحظر السفر المفروض على المعتقلين وعائلاتهم. كما أشارت إلى الانخفاض المقلق في عدد المصادر في السعوديّة الراغبة في التواصل مع منظمات حقوق الإنسان، مما يعكس تجريم السلطات المتزايد لمثل هذه الأعمال في السنوات الأخيرة. وقد قالت دهيني أن السلطات في السعوديّة استخدمت هذا التكتيك القمعي كوسيلة لمزيد من التعتيم على الحقائق المزعجة، لا سيما فيما يتعلق باستخدام عقوبة الإعدام. ونتيجةً لذلك، لم تتمكن المنظمة الأوروبيّة السعوديّة لحقوق الإنسان من توثيق سوى 4% من أحكام الإعدام الصادرة منذ عام 2015 والبالغ عددها 1370 حكمًا، تسعة منها لقاصرين؛ وفي الحالات التي تمكّنت المنظمة الأوروبيّة السعوديّة لحقوق الإنسان من تتبعها وتوثيقها، ظهرت انتهاكات واسعة النطاق لحقوق الإنسان بما في ذلك التعذيب وسوء المعاملة، والحرمان من الحق في الدفاع عن النفس بشكل كاف.
كما وقد ركزت لينا الهذلول من القسط على إسكات السلطات السعوديّة للمدافعات عن حقوق الإنسان. وأوضحت أنه في السنوات السابقة، كانت السعوديّة تملك مدافعات بارزات عن حقوق الإنسان ناضلنَ من أجل إنهاء منظومة ولاية الرجل ومن أجل حق المرأة في القيادة، وكانت مناصرتهنَّ علنيّة ومنظّمة، ولكن بعد صعود ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، تعرّضنَ جميعًا للاعتقال والاختفاء القسري والتعذيب. وقد فشلت السلطات السعوديّة، بما في ذلك هيئة حقوق الإنسان السعوديّة الرسميّة، في تقديم دعم فعال للمدافعات عن حقوق الإنسان، ونفت مرارًا وتكرارًا حدوث أي تعذيب. ونتيجةً لهذا التكميم، فضلاً عن أحكام السجن الطويلة وحظر السفر التعسفي، والتهديد باعتقال النشطاء وعائلاتهم إذا تحدثوا علنًا، أصبح من الخطر الوقوف تضامنًا مع هؤلاء المدافعات عن حقوق الإنسان أو مواصلة عملهنَّ. وأوضحت الهذلول أن أي شخص يفعل ذلك، حتى بطريقة غير بارزة وأقل علنيّة، يُعتبر أيضًا كمدافعة عن حقوق الإنسان.
والجدير بالذكر، أنه خلال عهد محمد بن سلمان، شهدنا ارتفاعًا غير مسبوق، ليس فقط في عدد المدافعات عن حقوق الإنسان اللواتي تم اعتقالهنَّ ومحاكمتهنَّ وسجنهنَّ، ولكن أيضًا في التكتيكات المختلفة المستخدمة لانتهاك حقوقهنَّ. وأعطت الهذلول مثالين على مناهل العتيبي، مدرّبة الرياضة الشهيرة التي حُكم عليها مؤخرًا بالسجن لمدة 11 عامًا بتهم تتعلق بتغريداتها النسويّة وصورها على الإنترنت وهي تخرج في الأماكن العامة دون ارتداء العباءة؛ وسلمى الشهاب، التي تقضي حاليًا حكمًا بالسجن لمدة 27 عامًا بسبب تغريداتها تضامنًا مع المدافعات عن حقوق الإنسان. وقد تعرّضت هاتان المرأتان للاعتداء من قبل سجينات أخريات أثناء احتجازهما، مما أدى في حالة مناهل العتيبي إلى إصابتها بكسر في ساقها، بحيث سمحت سلطات السجن بعدم علاجها عندما تم وضعها في الحبس الانفرادي بعد أن اشتكت من الهجوم. وأضافت الهذلول أنه في جميع الأحوال، فإن نقص المعلومات، وكون المكالمات مراقبة عن كثب وندرة الزيارات إلى السجون، يجعل من الصعب التأكد مما يحدث للناشطين المعتقلين. كما وأن هذا السياق من الخوف والقمع وسوء المعاملة وإسكات الجهات الفاعلة المدنية يدل على أن السلطات السعوديّة ليست جادة في إجراء إصلاح حقيقي في البلاد.
وعلقت فلاح السيّد، مسؤولة حقوق الإنسان في منَا لحقوق الإنسان، أنه على الرغم من حرص السلطات السعوديّة على التأكيد على النجاح المفترض للإصلاحات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية التي قامت بها، إلا أن منظمات حقوق الإنسان ترى العكس تمامًا، مع تزايد حملة القمع على المدافعات عن حقوق الإنسان في السنوات الأخيرة. فقد تعرّضت مناهل العتيبي، ولجين الهذلول، وسلمى الشهاب، ونورا القحطاني، جميعًا للاضطهاد الشديد بسبب تحدّثهنَّ علنًا لصالح حقوق الإنسان. كما تحدثت السيّد أيضًا عن هيئة حقوق الإنسان السعوديّة، المكلفة رسميًا بالقيام بالمهام المتعلقة بحقوق الإنسان بما في ذلك رفع مستوى الوعي العام حول حقوق الإنسان، ومعالجة شكاوى حقوق الإنسان، والمشاركة في العمل التشريعي، ومراقبة مرافق الاحتجاز، ولكنها في الواقع ليست كذلك بل هي مجرّد أداة تستخدمها السلطات للتستر على انتهاكات حقوق الإنسان. وقالت السيد أنها في الأساس مؤسّسة قائمة فقط لوضع علامة في المربع، ولجعل الأمر يبدو وكأنّ حقوق الإنسان يتم تناولها في السعوديّة.
وحدّدت لجين الهذلول وسلمى الشهاب كأمثلة نموذجية لهذا الاتجاه، بعد أن زارتهما هيئة حقوق الإنسان السعوديّة في السجن. وفي كلتا الحالتين، تجاهلت هيئة حقوق الإنسان السعودية، التي تحظى باعتراف واسع النطاق وتأييدها من قبل الحكومات والهيئات الدوليّة، الأدلة على الانتهاكات المرتكبة ضد المرأة، بل وتسترت عليها. ووصفت السيّد كيف فشلت هيئة حقوق الإنسان السعوديّة في معالجة مزاعم انتهاكات حقوق الإنسان ضد أفراد آخرين أيضًا، مثل الشباب المعرضين حاليًا لخطر الإعدام الوشيك بسبب الأفعال التي تشملها حرية التعبير التي ارتكبوها عندما كانوا قاصرين. وأضافت أن العمل التشريعي لهيئة حقوق الإنسان السعوديّة يتمثل في الأساس في الإشادة بتبني السلطات لقوانين جديدة، وفي بعض الأحيان الإدلاء ببيانات كاذبة أو مضلّلة حول التغييرات التشريعية. ولا يقدم أي تحليل موضوعي للقوانين التي تعرضت لانتقادات واسعة النطاق بسبب تأثيرها على حقوق الإنسان. كما يقدم نظام الأحوال الشخصيّة لعام 2022، على سبيل المثال، بعض الإصلاحات الإيجابيّة، مثل تحديد الحد الأدنى لسنّ الزواج، لكنه ينشئ أيضًا نظامًا للتمييز على أساس الجنس في معظم جوانب الحياة الأسرية. وفي الوقت نفسه، تسمح الصياغة الغامضة للنظام للقضاة بسلطة تقديريّة عند الفصل في القضايا، مما يجعل التفسيرات غير المتسقة والتعسفيّة أكثر احتمالًا.