في 29 فبراير 2024، خلال الدورة العادية الخامسة والخمسين لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، تعاونت كلّ من القسط، ومركز الخليج لحقوق الإنسان، ومجموعة منَا لحقوق الإنسان، وهيومن رايتس ووتش، والمنظمة الأوروبيّة السعوديّة لحقوق الإنسان لاستضافة حدث جانبي تحت عنوان "السعوديّة: أولويّات حقوق الإنسان". وشدّد المتحدّثون، في ظلّ الاستعراض الدوري الشامل الجاري للسعوديّة، على النمط المخيف لانتهاكات حقوق الإنسان في السعوديّة، ودعوا السلطات إلى اعتماد وتنفيذ التوصيات الصادرة عن الاستعراض.
وقد سلّطت فلاح السيّد، مسؤولة حقوق الإنسان في منَا لحقوق الإنسان، الضوء على القيود الصارمة المفروضة على حريّة التعبير في البلاد، لا سيما من خلال الاحتجاز التعسّفي تحت ستار تدابير مكافحة الإرهاب. وتُظهر حالات بارزة مثل حالات ناشطات حقوق المرأة سلمى الشهاب ونورة القحطاني سوء الاستخدام الصارخ للأطر القانونية لإسكات المعارضة وقمع الحريّات الأساسيّة. وشدّدت كذلك على فشل هيئة حقوق الإنسان السعوديّة المستمر في محاسبة السلطات السعوديّة على انتهاكاتها رغم هدفها الظاهري المتمثّل في الالتزام بمعايير حقوق الإنسان. فبدلًا من ذلك، أصبحت الهيئة أداة تبييض تتستّر بنشاط على الانتهاكات. وتؤكّد منَا لحقوق الإنسان الحاجة الملحّة لإعادة تقويم المشاركة الدوليّة مع هيئة حقوق الإنسان السعوديّة. فبدلًا من إضفاء الشرعيّة على واجهة المحاسبة، يجب على المجتمع الدولي إعطاء الأولويّة للحوار الحقيقي مع منظّمات المجتمع المدني والجهات المعنيّة الأخرى الملتزمين بدعم حقوق الإنسان.
وتحدّثت لينا الهذلول، رئيسة قسم الرصد والمناصرة في القسط، عن انتهاكات حقوق الإنسان التي تواجهها النساء وقبيلة الحويطات في سياق مشروع نيوم. فعلى الرغم من الإصلاحات الأخيرة، تواصل منظومة ولاية الرجل في السعوديّة قمع النساء، مما يقيّد حريّاتهنَّ بشدّة. وبينما تم إجراء تغييرات سطحيّة، مثل السماح للنساء بتقديم طلبات للحصول على جوازات سفر وقيادة السيّارة، فإنّ القضايا الأساسيّة لا تزال قائمة. ولا تزال النساء يواجهن خطر الاحتجاز التعسّفي والسجن لتحدّيهنَّ الوضع الراهن. ومن الأمثلة على ذلك الناشطات، مثل مناهل وفوز العتيبي، اللواتي يكشفن التناقضات داخل النظام، فيتم اتهامهنَّ واحتجازهنَّ على خلفيّة دفاعهنَّ عن حقوق المرأة.
علاوة على ذلك، أدّى مشروع مدينة نيوم، وهو ركن أساسي من أركان رؤية السعوديّة 2030، إلى انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، لا سيما بين قبائل السكان الأصليّين مثل قبيلة الحويطات. وقد أدّى التهجير القسري لهذه المجتمعات من أراضي أجدادهم، دون دفع تعويض مناسب أو استشارتهم مسبقًا على النحو المناسب، إلى معارضة واسعة النطاق. ومع ذلك، فقد قوبلت هذه المعارضة بالعنف والاعتقالات على أيدي السلطات، مما أدى إلى مقتل عبد الرحيم الحويطي، واعتقال أكثر من 50 آخرين من أفراد قبيلة الحويطات. ويؤكّد انعدام المحاسبة في معالجة هذه الانتهاكات الحاجة الملحّة إلى منح منظّمات حقوق الإنسان المستقلّة إمكانية الوصول إلى البلاد لرصد الحالة وتوثيقها من الميدان.
وسلّطت لوسي ماكيرنان، نائبة مدير الأمم المتّحدة في هيومن رايتس ووتش، الضوء على المزيد من انتهاكات حقوق الإنسان التي ارتكبتها السلطات السعوديّة، من بينها إصدار عقوبات محيّرة للعقل بحق أولئك الّذين يمارسون حريّة التعبير، مثل المحكوميّة المروّعة المحدّدة في 34 عامًا المفروضة على سلمى الشهاب على خلفيّة نشاطها النسوي السّلمي على منصّة تويتر (X)، وحكم الإعدام الصادر بحق محمد الغامدي على خلفيّة تغريدته. علاوة على ذلك، تحدّثت ماكيرنان عن عمليّات قتل حرس الحدود السعوديون للمهاجرين الإثيوبيين، والتي وثّقتها هيومن رايتس ووتش في أغسطس 2023، وكشفت عن هجمات منهجيّة ومتعمّدة قد ترقى إلى جرائم ضد الإنسانية. كما وقدّمت تفاصيل عن حالات الاحتجاز التعسّفي والتعذيب وسوء المعاملة، مع تسليط الضوء على الانتهاكات المنهجيّة داخل نظام العدالة الجنائيّة في السعوديّة. وشدّدت على أنّ السلطات السعوديّة قد تهرّبت من المحاسبة على مثل هذه الانتهاكات، التي يسّرها جزئيًّا توسيع العلاقات الاقتصاديّة وحملة تحسين السمعة بالرياضة المنتشرة التي يموّلها صندوق الثروة السيادي في البلاد، وهو صندوق الاستثمارات العامة.
وقد أعربت دعاء دهيني، باحثة في المنظمة الأوروبيّة السعوديّة لحقوق الإنسان، عن قلقها العميق إزاء العمل المستمر بعقوبة الإعدام في السعوديّة، على الرغم من وعود الإصلاحات التي قدّمتها السلطات. فمنذ تولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان ولاية العهد في عام 2017، برزت زيادة بنسبة 82% في معدل عمليّات الإعدام في السعوديّة. وعلى الرغم من الوعود بقصر عقوبة الإعدام على الجرائم الخطيرة ووقف العمل بها بالنسبة للقاصرين، لا تزال عمليّات الإعدام مستمرّة، بما في ذلك إعدام القاصرين والأفراد المتّهمين بارتكاب جرائم غير عنيفة. ويكشف رصد المنظمة الأوروبيّة السعوديّة لحقوق الإنسان عن اتجاه مقلق: يواجه 66 شخصًا، من بينهم 9 قاصرين، عقوبة الإعدام حاليًا في السعوديّة. وقد حكمت المحكمة العليا على قاصرين، هما عبد الله الدرازي وجلال لباد، بالإعدام، مما يعرّضهما لخطر الإعدام الوشيك. وفي الوقت نفسه، ينتظر سبعة قاصرين آخرين صدور حكم نهائي. علاوةً على ذلك، فإنّ العمل بعقوبة الإعدام لقمع المعارضة وإسكات أصوات المعارضة واضح في حالات مثل حسن المالكي وسلمان العودة وعوض القرني، الذين يواجهون الإعدام بسبب تعبيرهم عن آرائهم.