يسلط تقرير حقوق الإنسان والديمقراطية لعام 2022 الصادر مؤخرا عن وزارة الشؤون الخارجية والكومنولث والتنمية في المملكة المتحدة الضوء على بعض مسائل حقوق الإنسان الرئيسية في السعودية ولكنه لا يعكس تمامًا خطورة الحالة هناك، مع إغفال أو التقليل من شأن انتهاكات معينة والتفاوتات الموجودة بين الجانبين النظري والعملي للقوانين السعودية. وتدعو القسط مرةً أخرى المملكة المتحدة إلى استخدام علاقاتها الوطيدة بالرياض بحزمٍ أكبر للطعن في الانتهاكات المُرتكبَة وتعزيز احترام حقوق الإنسان.
ويصنّف تقريرُ الوزارة الذي يصف التطورات في مجال حقوق الإنسان في جميع أنحاء العالم، السعوديةَ في قائمة "البلدان ذات الأولوية في مجال حقوق الإنسان" من أصل 22 بلدًا بسبب مجموعة واسعة من انتهاكات حقوق الإنسان المُرتكبة بشكل متكررٍ في المملكة، مشددًا على القيود الصارمة المفروضة على حرية التعبير والاستخدام المتزايد لعقوبة الإعدام.
ويشير التقرير إلى "تزايد القيود المفروضة على حرية التعبير والنشاط السياسي" في عام 2022، واستخدام نظام مكافحة جرائم المعلوماتية لتوجيه التهم للأفراد وحبسهم على خلفية دفاعهم عن حقوق الإنسان أو التعبير عن معارضتهم على الإنترنت، و"زيادة ملحوظة في معدل العقوبة المفروضة على النشاط الإلكتروني وقسوتها". ومع ذلك، لم يتطرق التقرير إلى نظام مكافحة جرائم الإرهاب وتمويله القمعي أيضا الصادر في عام 2017، الذي استُخدم بطريقةٍ منهجيةٍ للحد من حرية التعبير واستُخدم في عام 2022 للحكم على الناشطتين في مجال حقوق المرأة سلمى الشهاب (طالبة دكتوراه في جامعة بريطانية) ونورة القحطاني بالسجن 27 و45 عامًا على التوالي على خلفية النشاط السلمي على وسائل التواصل الاجتماعي. وهاتان المواطنتان السعوديتان هما الوحيدتان اللتان ذُكر اسمهما في التقرير.
وتحدد وزارة الشؤون الخارجية والكومنولث والتنمية في المملكة المتحدة بشكل صحيحٍ بعض الانتهاكات المستمرة ضد حقوق المرأة السعودية، وتسلط الضوء على القيود القاسية التي لاتزال مفروضةً على المدافعات عن حقوق الإنسان المُفرج عنهن من السجن إفراجا مشروطا، فضلا عن اعترافها بعدم إلغاء نظام الولاية القمعي بالكامل. ومع ذلك، تلوم "المواقف الاجتماعية الشائعة" على استمرار السلطة الذكورية في المجتمع السعودي، مع إهمالها دور السطات السعودية في تكريسها، ولاسيما عن طريق نظام الأحوال الشخصية المخيب للآمال الذي دخل حيز التنفيذ في يونيو 2022. وتشعر القسط بالقلق إزاء إشادة الوزارة بنظام الأحوال الشخصية دون نقد "لتحسينه حقوق المرأة في طائفة من المسائل". ومع أن القانون الجديد يقدّم بعض الإصلاحات الإيجابية مثل تحديد الحد الأدنى لسن الزواج، فإنه يكرس أيضا للعديد من الخصائص السلبية لنظام الولاية بخصوص الزواج والطلاق وحضانة الطفل والإرث. ويضم نظام الأحوال الشخصية أيضا ثغرات قانونية تسمح بالتفسير التقديري، مما يقلل من تأثير أي تغيرات إيجابية، كما هو حال زواج القاصرات.
وتندد وزارة الشؤون الخارجية والكومنولث والتنمية في المملكة المتحدة عن حق بالزيادة الكبيرة في استخدام السلطات السعودية عقوبة الإعدام في عام 2022، مشيرةً إلى أن المملكة "نفذت 196 عملية إعدام، أي حوالي ثلاثة أضعاف عدد عمليات الإعدام المنفَّذة في عام 2021". وتضيف أن ذلك يشمل أولى عمليات الإعدام المرتبطة بالمخدرات منذ عام 2020، "وهو ما يُنهي الوقف غير الرسمي" لاستخدام عقوبة الإعدام ضد الجرائم ذات الصلة بالمخدرات، ولكنها لم تشر إلى الوعود الفارغة بوقف استخدام عقوبة الإعدام بحق الجانحين الأحداث. وفي هذا الصدد، يحدق حاليا بتسعة شبان خطر الإعدام الوشيك في السعودية على خلفية جرائم يُزعم أنهم ارتكبوها حينما كانت أعمارهم لا تتجاوز 18 سنة.
ويفيد التقرير بأن هناك مشكلات متعلقة "بالشفافية والاتساق والمساءلة في نظام العدالة" وأن السلطات السعودية تمنع وصول المراقبين الدوليين إلى المحاكمات. ومع ذلك، يمكن قول أكثر من ذلك بكثير عن عدم استقلالية السلطة القضائية السعودية وعدم احترام الأصول القانونية الواجبة وضمانات المحاكمة العادلة والضمانات القانونية. ويصف تقرير الوزارة بتفاؤل "رغبة السلطات السعودية إصلاح أطرها القانونية ونظام العدالة السعودي"، والتي تدعمها المملكة المتحدة حسب ما ورد فيه، مشيرا إلى نظام جزائي مرتقب كانت هناك وعود بإصداره منذ فبراير 2021 ولكنه لم يُنشر بعد.
وعلقت رئيسة قسم الرصد والمناصرة في القسط لينا الهذلول قائلة: "بدلًا من أخذ إصلاحاتها القانونية المُعلنة في ظاهرها بدون تمحيص، ينبغي أن تُصدر حكومة المملكة المتحدة رأيها في السلطات السعودية بناء على أفعالها. هل النظام القضائي الذي يُصدر حكما بالسجن 45 عامًا على خلفية تغريدة سلمية يسعى حقًّا إلى الإصلاح؟ هل ينبغي أن تدعم المملكة المتحدة نظاما يُجري محاكمات مهمة خلف الأبواب المغلقة حيث لا يُسمح للدبلوماسيين البريطانيين بالحضور؟"
وتؤيد القسط قرار وزارة الشؤون الخارجية والكومنولث والتنمية في المملكة المتحدة بإبقاء السعودية على قائمة البلدان ذات الأولوية في مجال حقوق الإنسان، وترحب بإدراج التقرير بعض مسائل حقوق الإنسان الرئيسية في المملكة. ومع ذلك، نعرب عن قلقنا إزاء بعض الجواب المُغفلة الملحوظة والتأطير الإيجابي المفرط لبعض الإصلاحات المعلنة، وهو ما لا ينبغي أن يسمح بحجب القمع الشديد المستمر.
ونشيد بتعهد المملكة المتحدة بأن "تستمر في العمل بشكل وثيق وتعاوني وخلاق مع نظرائها السعوديين بشأن حقوق الإنسان"، ولكننا نحث المسؤولين الحكوميين على التصدي بحزم أكبر للانتهاكات التي تمارسها السلطات السعودية، بناءً على تقييمٍ أكثر واقعية للحالة الحقيقية على أرض الواقع.