"تحت أستار الكتمان: السجون ومراكز الاحتجاز في السعودية" تتطرق فيه إلى الظروف الصحية الرديئة في السجون، والحرمان الطبي الذي يتعرض له المساجين، وتزايد استخدام منشآت الاحتجاز السرية بغاية ممارسة التعذيب.
ملخص تنفيذي
يفتقد نظام السجون السعودي، من حيث هيكله وإدارته، إلى الشفافية والمراقبة المستقلة، ما يزيد من احتمال ارتكاب انتهاكات جسيمة لحقوق السجناء، بما في ذلك الاعتقال والاحتجاز غير القانونيَين، والحبس الاحتياطي المطوَّل، والاستخدام المنهجي للتعذيب أثناء الاستجواب، وسوء الممارسة الطبية والإهمال الطبي المتعمد، وعدم مراعاة ضمانات الإجراءات القانونية السليمة.
على الرغم القيود المفروضة على المعلومات من المؤسسات المعنية في السعودية، فقد حاولنا معاينة القضايا الرئيسة من خلال دراسة ظروف السجون وإلقاء الضوء على حالات بارزة من الانتهاكات. وبالإضافة إلى ذلك، فقد قام باحثو منظمة القسط بإجراء دراسة مسحية فريدة مع السجناء الحاليين أو السُجناء الذين أُفرج عنهم منذ عهد قريب أو الأشخاص المقربين منهم. وقد بيَّنت الدراسة أنَّ تبوّؤ ولي العهد محمد بن سلمان السلطة تلاهُ اتجاهٌ باعثٌ على القلق نحو تفاقم انتهاكات حقوق السجناء، ويتفق هذا مع ما أشارت إليه التقارير السابقة التي نشرتها منظمة القسط ومصادر أخرى.
الإخفاق في الإيفاء بالمتطلبات القانونية
يبيِّن التقرير الإطار القانوني للمعايير الدولية والإقليمية التي يعمل ضمنها نظام السجون السعودي، والتشريعات واللوائح المحلية ذات الصلة بالسجن والاحتجاز. وباعتبارها دولةً عضوًا في الأمم المتحدة، فإنَّ السعودية مُلزمةٌ بمراعاة بعض المبادئ القانونية، التي تُلمح قَبَساتٌ ضعيفةٌ منها في القوانين المحلية، ولكن تنفيذها رديءٌ أو منعدم. وبعضُ الفئات يستهدفها تهديدٌ أكبر، مثل سجناء الرأي، بمن فيهم النساء، فضلًا عن المقيمين، والمقيمين بدون أوراق إقامة نافذة.
إنَّ لاتفاقية مناهضة التعذيب أهمية خاصة وصلة وثيقة بهذا التقرير المعني بالسجون ومراكز الاحتجاز في السعودية؛ ويشير التقرير إلى اختلافات بين متطلبات اتفاقية مناهضة التعذيب وتفسير السلطات السعودية لأحكام الاتفاقية.
إنَّ النظام القانوني السعودي، مع كونه لا يتضمَّن نظامَ عقوباتٍ مكتوبًا، هو المسؤول الرئيس عن التضخُّم في معدلات الاحتجاز والسجن وانتهاك الإجراءات القانونية الواجبة، إذ يتكرر تجاوز القوانين بشكل تعسفي بموجب المراسيم الملكية والأوامر الوزارية. ويتناول التقرير بدقة نظام السجن والتوقيف الصادر عام 1978 ونظام الإجراءات الجزائية الصادر عام 2001، ويظهر ما فيهما من أوجه القصور، والكيفية التي تنتهك السلطات أحكامهما باعتمادها الممنهج للاعتقال والاحتجاز التعسفيين والتعذيب وغيره من ضروب سوء المعاملة على نطاق واسع.
ولا يُسمح في السعودية بإجراء أي رصد مستقل لأحوال السجون وليس ذلك ممكنًا. ويبدو أن هيئتا حقوق الإنسان التي ترعاهما السلطات السعودية، وهي هيئة حقوق الإنسان السعودية والجمعية الوطنية لحقوق الإنسان، إنّما تعملان بشكل أساسي كواجهة مُضلِّلة تخدم السلطات، غير أنَّهما عمدتا مع ذلك إلى إصدار جملة تقارير تدين الأوضاع في السجون السعودية، وما كان من السلطات إلا أن تجاهلت تلك التقارير على وجه الإجمال.
الهيكل الإداري لنظام المراقبة السعودي
يتكون الهيكل الإداري ونظام المراقبة في نظام السجون السعودي عمومًا من السجون العامة ومراكز الاحتجاز التابعة لوزارة الداخلية، وسجون المباحث (جهاز الاستخبارات) ومرافق الاحتجاز السرية التابعة لرئاسة أمن الدولة، ومراكز رعاية (أي: احتجاز) الأحداث التابعة لوزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية. وخارج هذا الهيكل الرسمي، لدى السلطات مواقع احتجازٍ غير رسمية، تحدث فيها بعض أسوأ انتهاكات حقوق الإنسان وسط سرّيةٍ وكتمانٍ أشد.
وتبذل مؤسسات الدولة ووسائل الإعلام المحلية الموالية جهودًا منسَّقة لتبييض صورة السجون السياسية على وجه الخصوص، حتى إن أحد الصحفيين استهل تقريره المسرف في التفاؤل عن زيارة إلى أحد سجون جهاز المباحث بالإشارة دون مواربة إلى التصور واسع الانتشار عن مثل تلك السجون على أنها أماكن تسودها الممارسات القمعية في مواضع نائية وسرية، بها زنازين تحت الأرض يتعرض فيها السجناء إلى صنوف التعذيب وسوء المعاملة.
وتتألف مرافق احتجاز الأحداث من "دُور التوجيه الاجتماعي" للأولاد دون سن الثامنة عشرة و"دور الرعاية" للفتيات والشابات حتى سن الثلاثين. وتكرر في المدة الماضية ورود تقارير باعثة للقلق حول أوضاع دور الرعاية على شبكات التواصل الاجتماعي بل وحتى وسائل الإعلام السعودية، منها عدد من حالات الانتحار أو محاولة الانتحار. وما يزيد الحال خطورةً هو أنّ خروج الفتيات والنساء من دور رعاية الفتيات أو من سجون النساء مشروطٌ بأن يعهد بهن إلى أحد أقاربهن الذكور؛ وفي حال تبرأت عائلة المحتجَزَة منها ورفضت استلامها، فقد تجبر على البقاء في مرفق الاحتجاز إلى أجل غير مسمى.
ومن الأمثلة الأقرب عهدًا على استخدام أماكن احتجازٍ غير رسمية لإخفاء التعذيب، أو استخدام أساليب استجواب قُصوى ترقى إلى أن تُعدَّ تعذيبًا، قيام السلطات باحتجاز أفراد أثرياء، من بينهم رجال أعمال ومسؤولون كبار، في فندق الريتز كارلتون بالرياض في نوفمبر 2017؛ وتعذيب مجموعة من المدافِعات عن حقوق الإنسان في منشأة سرية تعرف باسم "الفُندق" جنوب سجن ذهبان في جدة في عام 2018؛ والتعذيب البدني الوحشي الذي أُخضع إليه الداعية سليمان الدويش في أحد أقبية قصرٍ ملكي عام 2016.
الظروف السيئة المزمنة والتعذيب الممنهج
يلقي التقرير الضوء على الأوضاع السيئة المزمنة في السجون ومراكز الاحتجاز ومراكز الترحيل السعودية، التي تتسم بالاكتظاظ وتدني النظافة وتردي المرافق الصحية والإهمال الطبي والإداري. وقد بيَّن ذلك المشاركون في الاستطلاع الذي أجرته منظمة القسط، حيث ذكروا تفاصيل مروعة من التجارب التي عايشوها. وقد أدى الإهمال الطبي إلى وفاة الناشط الحقوقي البارز عبد الله الحامد أثناء احتجازه، عن عمر يناهز 69 عامًا في أبريل 2020. كما كان ثمة إهمال في التعامل مع الأمراض المعدية، بما في ذلك تفشي وباء كوفيد-19.
كان الاستخدام الممنهج للتعذيب لأغراض سياسية إحدى السمات المميزة لعهد الملك سلمان وولي عهده محمد بن سلمان. ورغم أن منظمة القسط لم توثق أي تقارير حديثة العهد عن التعذيب البدني خلال عام 2020، إلا أن معلومات جديدة تتعلق بالتعذيب وسوء المعاملة ما فتئت تظهر مؤخرًا، وغالبًا ما تتصل بوقائع التعذيب خارج نظام السجون وفي مرافق خاصة غير رسمية. وفضلًا عن ذلك، وبالنظر إلى انتشار ممارسة الاختفاء القسري والاحتجاز الانفرادي، فإنَّ من المرجح أن تكون حالات تعذيب أخرى قد ارتُكبت سرًا. ولا نستبعد أن غياب تقاريرَ جديدةٍ عن التعذيب قد يكون مؤشرًا مُقلقًا، لا مُطمئنًا. فالمحاكم السعودية واصلت في الآونة الأخيرة رفض الادعاءات المتعلقة بوقائع التعذيب، كما في حالة المدافعة عن حقوق الإنسان لُجين الهذلول، الأمر الذي يعزز حالة إفلات المتورطين من العقوبة.
قدَّم المشاركون في الاستطلاع الذي أجرته منظمة القسط تفاصيل عن التعذيب البدني والنفسي وكذلك الحبس الانفرادي وممارسة صنوف أخرى من سوء المعاملة والمضايقات بوجه عام، ولا سيما القسوة في حرمان السجناء من التواصل والزيارات الأسرية، الأمر الذي يعيق الإبلاغ عن التعذيب وسوء المعاملة، ناهيك عن التسبب في معاناة كل من النزلاء وذويهم.
ويشير التقرير إلى وقوع عدد من الوفيات المريبة أثناء الاحتجاز، رفضت السلطات إجراء تحقيق في ظروفها. واضطرار الكثير من السجناء السعوديين، ولا سيما الناشطين في مجال حقوق الإنسان، إلى الإضراب عن الطعام، إنَّما يؤكد نأي سلطات السجون عن التجاوب، وتجاهل الدولة لحقوق المحتجزين في السجون ومراكز الاعتقال السعودية.
- التوصيات
- يُختتم التقرير بجملة من التوصيات المفصَّلة الموجهة إلى كل من المجتمع الدولي والسلطات السعودية. وإنَّه يحسُن بالجهات الدولية أن تتوخَّى الإجراءات السليمة الواجبة في جميع تعاملاتها مع الجهات السعودية الرسمية، من حيث التأثير المحتمل لتلك التعاملات على حقوق الإنسان. ويحث التقرير السلطات السعودية على إنفاذ الإجراءات المحلية الموصى بها. وتشمل الآتي:
- إجراء إصلاحات أساسية للنظام القانوني، بُغية مواءمة القوانين والممارسات مع المعايير الدولية؛
- تمكين السجناء والمعتقلين من معرفة حقوقهم ومن ممارستها؛
- المراقبة المنتظمة والمستقلة للسجون ومرافق الاحتجاز، وضمان الوصول غير المقيد للمراقبين الدوليين إلى تلك المرافق، لضمان سلامة السجناء ورفاههم؛
- التعجيل بصيانة مرافق السجون وتجديدها؛
- الحد من اكتظاظ السجون من خلال إيجاد بدائل لعقوبة السجن وإطلاق سراح السجناء السياسيين والمجرمين من الأحداث والسجناء الذين تقدَّمت بهم السن أو أولئك الذين يعانون من داءٍ عُضال؛
- مراعاة الحد الأدنى من المعايير الصحية التي وضعتها منظمة الصحة العالمية، بما في ذلك تقديم الرعاية الصحية الملائمة دون إبطاء، وبخاصة للنساء والسجناء من ذوي الإعاقة؛
- إجراء تحقيق كامل في كل حالة وفاة وقعت أثناء الاحتجاز؛ و
- وضع حد لممارسة التعذيب، الذي يجب تجريمه بما يتماشى مع اتفاقية مناهضة التعذيب، مع ضمان المساءلة، وكذا إنصاف الضحايا وإعادة تأهيلهم.