تاريخ النشر: 30/03/2015

 

قيم حقوق الإنسان هي قيم إنسانية مشتركة بين جميع البشر، تحت كل الظروف، وهذه القيم غير قابلة للمساومة حيث أنه جميعها تتمحور حول الكرامة الإنسانية، وقد سنت عدد من المواثيق والقوانين الدولية للحفاظ على هذه القيم والحد من الانتهاكات.

ومع العام الجديد وبداية العهد الجديد، بدل أن تتجه السلطات السعودية للحد من انتهاكات حقوق الإنسان ومع كون المملكة العربية السعودية تتبوأ مقعدًا في مجلس حقوق الإنسان، إلا أن وضع حقوق الإنسان في السعودية اتجه لمزيد من التدهور في السنوات الماضية،

وقد اعتبرتها وزارة الخارجية البريطانية واحدة من الدول التي تدعوا للقلق، وفي أحدث قوائم مؤشرات الديموقراطية (EDI) وضعت السعودية من اسوأ خمس حكومات الأكثر سلطوية في العالم، وقد صنفتها في مستوى اسوأ من ايران ومساوي لبورما، وفي سجل الاعدام تعتبر السعودية واحدة من أكثر خمس دول في تنفيذ الاعدام (الصين، ايران، السعودية، العراق، الولايات المتحدة الأمريكية) ويعود ذلك لتساهل السلطات السعودية في تنفيذ عقوبة الاعدام، كما رصدنا تنفيذ الاعدام في أشخاص خضعوا لمحاكمات شكلية لا ترقى لشروط المحاكمات العادلة وتفتقر لوجود محامي أو مترجم، كما سجلت حالات بالحكم بالاعدام على فاقدي عقولهم. وفي هذا العام ومنذ الأول من يناير حتى كتابة هذا التقرير (21 أبريل 2015) سجل اعدام 63 شخصًا بينهم 3 نساء و 60 رجلًا. وأعدم أكثر من 2150 شخصًا منذ العام 1985 حتى العام 2015 ، وهذا يعادل متوسط 1.4 في كل الأسبوع.

من جهة أخرى صادقت المملكة العربية السعودية في العام 2000 على اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، إلا أنها لاتزال حتى الآن تنتهك حقوق أكثر من 9 ملايين امرأة، فمع توقيعها لم تنجح في الحد من العنف ضد المرأة والطفل كما فشلت أيضًا في إصدار قانون مكافحة التحرش، وقد وضعت المملكة العربية السعودية في الترتيب الحادي عشر في الدول الأسوأ في عدم المساواة في الحقوق وكانت دون 136 بلدًا آخرًا في قوائم المنتدى الاقتصادي العالمي لعام 2013.

ويواجهن النساء صعوبات كبيرة في السفر والتنقل والعمل والعلاج وممارسة الحياة العامة ومراجعة الدوائر الحكومية وذلك لاشتراط السلطات السعودية موافقة المحرم حتى على تلك القرارات الحياتية الأساسية.

وفي نهاية العام الماضي أقدمت السلطات السعودية على اعتقال لجين الهذلول وميساء العمودي وذلك لمحاولتهما العتراض على منع قيادة المرأة للسيارة بالقيادة بأنفسهما، وأفرجت عنهما بعد 73 من الاعتقال، وقد احيلتا للمحاكمة وفق نظام جرائم المعلوماتية، ثم حولت القضية للمحكمة الجزائية المتخصصة والمختصة في قضايا الإرهاب ولم تعقد جلسات في المحكمة حتى أفرج عنهما، إلا أن القضية لم تنتهي ولا تزال معلقة.

ولا تزال أعداد السجناء مجهولة وفي ازدياد، ويقابل كل افراجات اعتقالات مقابلة، ووفقًا للتقديرات فإن أعداد السجناء السياسيين في السعودية قد يربوا على 30 ألف معتقل، ويتهم العدد الأكبر منهم بتهم لها علاقة بالارهاب، وغالبًا مايتعرضون لأحكام سجن مطولة وجائرة ومبالغ فيها، وكثير منهم لم يعرض على المحكمة وفي حالة عرضه للمحكمة ففي أكثر الأحوال أن تكون محاكمات سياسية أو صورية وتفتقد لشروط العدالة، وكثيرًا ماعقدت المحاكمات سرية وفي غياب المحامي، وتصدر الأحكام على تهم انتزعت تحت التعذيب.

ولايزال التعذيب على نطاق واسع في غرف التحقيق وعدد من أقبية السجون، ويفلت المعذبون من العقوبة والمسائلة وتترك لهم الفرص لممارسة التعذيب والاستمرار فيه مما يفيد بأنه ممنهج ومأذون به. ومع أن السعودية قد انضمت منذ العام 1997 لاتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، وقد صدر أمر ملكي بخصوص الاتفاقية في العام 2001، وبالرغم من ذلك فلا يزال عدد من القضاة في السعودية يصدرون الأحكام التي قد تصل إلى الإعدام أو تكون قاسية جدًا وفقًا لاعترافات انتزعت تحت الإكراه والتعذيب الشديد مثل الحرمان من النوم والصعق بالصدمات الكهربائية، والتعذيب الجسدي والمعنوي والتي تعد ممارسات شائعة وخاصة في التحقيقات.

أما الجديد في المشهد فهو قانون مكافحة الإرهاب الذي دخل حيز التنفيذ منذ فبراير 2014 وهو الآن مسلطًا على كل من يريد أو يسعى للإصلاح وقد انتجنا تقريرًا عن حرب على الحرية باسم الحرب على الإرهاب وكيف أن القانون الجديد قتل كل الآمال في أي إصلاح أو آمال في ظل وجوده. فوفقًا للقانون الجديد فإن المظاهرات والاعتصامات تعد أعمالًا  إرهابية، بل حتى التواصل مع الإعلام ومع المنظمات العالمية للحديث عن الشأن الحقوقي في السعودية يعد تواصلًا مع جهات أجنبية بقصد تشويه سمعة المملكة ويصنف على أنه عمل إرهابي، وأكثر من ذلك كتابة العرائض والبيانات المشتركة صنفت وفق القانون الجديد أعمالًا  إرهابية وهذا هو الوضع القائم حاليًا.

وخلال هذا الربع الأول من العام 2015 لا تزال السلطات السعودية لا تبدي أي احترام لحق حرية التجمع وحرية التعبير برغم انضمامها لعدد من الاتفاقيات الملزمة باحترام هذه الحقوق (للمزيد)

وفي مثال آخر، وليد أبو الخير الذي اعتقل في العام الماضي لايزال في سجنه وقد تعرض مؤخرًا للضرب ولمعاملة مهينة ولا إنسانية، وتم تصديق الحكم ضده بالسجن خمسة عشر عامًا وتحويلها مؤخرًا إلى عقوبة نافذة بعد أن كانت خمس منها مع وقف التنفيذ، وهو الناشط الأول الذي يحاكم بموجب قانون الإرهاب الجديد وذلك في المحاكمة الجزائية المتخصصة والتي يفترض أنها مختصة بقضايا الإرهاب (للمزيد)

كما أن سعود بن مختار الهاشمي (للمزيد) لايزال في معتقله يعاني من معاملة غير إنسانية رغم الوعود المتكررة لذويه بالإفراج عنه، وبالرغم من أنه قد حكم عليه بالسجن لثلاثين عامًا بسبب تجمع إصلاحي (إصلاحيي جدة) والذي كان الهاشمي شريك فيه إلا أن السلطات لم تراعي كون عمله مشروع من الأساس ومصرة على المضي قدمًا في عدم إبداء أي قبول للحريات والحقوق الأساسية.

كما أن عدد من الذين تنتهي محكومياتهم تقوم السلطات بفتح محاكمات جديدة كما تفعل مع الدكتور عبدالكريم الخضر والناشط محمد البجادي عضوي جمعية حسم. ولا تزال مستمرة في محاكمة من تبقى من أعضاء جمعية حسم في الخارج وهما الناشط عيسى الحامد والناشط عبدالعزيز الشبيلي، وتمنع من يتعاطف مع الجمعية من الحديث عنها أو دعم أنشطتها وتأخذ التعهدات على من تشتبه في أنه قد يقوم بدور كهذا، كما أخذت التعهدات على ابني الدكتور الخضر والدكتور عبدالرحمن الحامد بعدم الحديث عن حالة والديهما.

والأسوأ من ذلك إلغاء عفو سابق عن المعتقل عيسى النخيفي وإضافة الحكم السابق بالسجن ستة سنوات للحكم الجديد ثلاث سنوات وثمانية أشهر، ورغم كل الوعود للنخيفي بتحسين وضعه إلا أنه لاتزال السلطات مصرة على معاقبته والتصعيد معه بسبب مواقفه الحقوقية وقد ذكرت أن التراجع عن العفو السابق هو بناء على توصية لجنة المناصحة التي قررت أن النخيفي غير صالح ولم يتب عن مطالبه بالدستور.

وقد تلقت المملكة العربية السعودية نقدًا واسعًا في مجلس حقوق الإنسان في العام الماضي وذلك من قبل الدول الأعضاء والمنظمات الحقوقية، وقبلت عددًا منها ومع ذلك لم تتخذ أية خطوات جدية على الأرض، وبعد مرور ربع العام 2015 لا يوجد حتى الآن أي بوادر للاتجاه لاحترام حقوق الإنسان، وهذا مايجب أن يكون واضحًا وكما يجب أن يستمر الضغط على السلطات السعودية لاجبارها على احترام إلتزاماتها وتعهداتها الدولية والمضي قدمًا للحد من الانتهاكات الواسعة والمستمرة

21/04/2015

مشاركة المقال
تصوّرات بعيدة عن الواقع، وحقيقة مرة: حقوق الإنسان في السعودية في عام 2023
تقرير القسط السنوي الأخير يوثّق الأوضاع الحقوقية في السعودية عام 2023.
الجانب المظلم من مشروع نيوم: مصادرة أراضي سكان المنطقة وتهجيرهم ومتابعتهم قضائيا
"الجانب المظلم من مشروع نيوم: مصادرة أراضي سكان المنطقة وتهجيرهم ومتابعتهم قضائيا" تتطرق فيه إلى حملةً شرسةً من المتابعات القضائية ضد أبناء قبيلة الحويطات.
انتكاسة جديدة: حقوق الإنسان في السعودية في عام 2022
تقرير القسط السنوي الأخير يوثّق الأوضاع الحقوقية في السعودية عام 2022.