أُبلغت لجنة برلمانية مختصة خلال تحقيق رسمي أن ضحايا القمع العابر للحدود في المملكة المتحدة قد يفقدون ثقتهم في النظام البريطاني وقدرته على التعامل بجديّة مع التهديدات التي يتعرضون لها، وذلك في سياق قضايا مرتبطة بحكومات كل من البحرين ومصر والسعوديّة والإمارات العربية المتحدة.
وفي إفادة خطيّة نُشرت هذا الأسبوع من قبل اللجنة المشتركة لحقوق الإنسان في البرلمان البريطاني، دعت منظمات "فير سكوير" و"القسط لحقوق الإنسان" و"معهد البحرين للحقوق والديمقراطية" الحكومة البريطانية إلى تبني نهج موحد وثابت في التعامل مع مخاطر القمع العابر للحدود، بغض النظر عن مدى قوة علاقتها بالدولة المنتهِكة أو ضعفها.
تجري اللجنة البرلمانية المشتركة تحقيقًا بشأن القمع العابر للحدود، والذي يُفهم عمومًا على أنه يشمل حالات الترهيب والعنف والمضايقة التي تمارسها دولة ضد أشخاص متواجدين في دولة أخرى، داخل المملكة المتحدة.
اقرأ الإفادة الخطيّة المقدّمة ضمن تحقيق اللجنة
شهدت السنوات الأخيرة تزايدًا في حالات القمع العابر للحدود، كانت قد تورّطت فيها دول مثل البحرين ومصر والسعوديّة والإمارات العربية المتحدة، وذلك جزئيًا نتيجة لتصاعد صعوبة وخطورة ممارسة النشاط الحقوقي والسياسي داخل هذه الدول، مما دفع العديد من النشطاء إلى مواصلة عملهم من الخارج بشكل متزايد.
تستخدم هذه الدول مجموعة من الأساليب ضد الأشخاص الذين تعتبرهم "تهديدًا" والمقيمين في المملكة المتحدة، وتشمل هذه الأساليب: الترهيب والمضايقة، والمراقبة الرقميّة، والانتقام من أفراد عائلات الضحايا المتواجدين في بلدانهم الأصليّة، وتوجيه تهم غيابيّة بحقهم.
وفي شهادته الشفويّة أمام اللجنة في مارس 2025، قال جيمس لينش، مدير منظمة فير سكوير:
"ما يجب معرفته عن النشطاء الذين يتعرضون لهذه الممارسات هو أنهم غالبًا ما يكونون أشخاصًا يتحلّون بقدر كبير من الصلابة. لقد اختاروا طريق النضال والنشاط السياسي أو المعارضة، ولذلك فإنهم يميلون إلى التقليل من شأن ما يتعرضون له. فهم يعملون ويُدافعون عن أشخاص في بلدانهم الأصليّة يقضون أحكامًا بالسجن المؤبد. إنهم أشخاص صامدون، ولكن من الواضح أنهم كثيرًا ما يواجهون عدّة أشكال من هذه الانتهاكات في آنٍ واحد، مما يُلقي بظلال ثقيلة على حياتهم وحياة أسرهم. إنها تؤثر عليهم بشكل مُنهك. كما أنهم يعيشون في حالة من التأهب الدائم. ومن الصعب للغاية شرح هذه الأمور للناس من حولهم، لأن المجتمع المحيط بهم لا يدرك أبعادها بشكل جيد."
استجابة المملكة المتحدة
استنادًا إلى عدد من الحالات، تُشير المنظمات الثلاث في إفادتها إلى وجود قيود كبيرة في اعتماد الدولة البريطانية على الشرطة للتعامل مع أعمال القمع العابر للحدود. فعلى سبيل المثال، عندما عُثر على سكين خارج نافذة مطبخ مؤسس منظمة "القسط لحقوق الإنسان"، رفضت الشرطة مراجعة تسجيلات كاميرات المراقبة في المنطقة أو رفع البصمات عن السكين، مبررة ذلك بأن "الأمر يتطلب تكلفة ماليّة" وأنه "لا جريمة وقعت بعد". ونتيجةً لذلك، توقف الضحية بشكل شبه كامل عن الإبلاغ عن الحوادث، ما لم تكن بالغة الخطورة، لأنه بات يفترض، بناءً على تجاربه السابقة، أنها لن تُحقق فيها. وفي الوقت ذاته، قد يُبلغ مسؤولو وزارة الخارجية البريطانية ضحايا القمع العابر للحدود بأنهم لا يستطيعون التعامل مع قضاياهم، لأنها تُعدّ من المحتمل أن تكون جرائم جنائيّة، وبالتالي خارج نطاق اختصاصهم.
"إذا كانت الشرطة نادرًا ما تُجري تحقيقات شاملة، وإذا كان الموظفون المدنيون والدبلوماسيون يُظهرون عدم استعدادهم للدخول في نقاش جاد حول سبل الردّ الدبلوماسي المحتمل، فإن ذلك قد يترك الضحايا فعليًا في مهبّ الريح، دون جهة يمكنهم اللجوء إليها."
وعليه، لم تُصدر الحكومة البريطانية يومًا أي تصريح علني جوهري بشأن أعمال القمع العابر للحدود التي تمارسها كل من البحرين ومصر والسعوديّة والإمارات العربية المتحدة، وهي دول تربطها بها علاقات وثيقة. وكقاعدة عامة، تتجنّب الحكومة توجيه انتقادات علنيّة مباشرة إلى هذه الدول الشريكة، وتميل بدلًا من ذلك إلى الاكتفاء بالاعتماد على تطميناتها. فبعد أن خلص خبراء الأمم المتحدة إلى أن عائلة مدير المناصرة في معهد البحرين للحقوق والديمقراطية، كانت تتعرض لأعمال انتقاميّة بسبب نشاطه الحقوقي، كرّرت الحكومة البريطانية أمام البرلمان أنها تلقّت "تطمينات قاطعة من السلطات البحرينية" تُفيد بأن ما جرى لا يُعدّ من قبيل الأعمال الانتقاميّة.
كما وقد تحاول دول الخليج استغلال رغبة الحكومة البريطانية في جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة، لتجنّب التدقيق في ممارساتها المتعلقة بالقمع العابر للحدود. ففي عام 2024، مارس ولي العهد السعودي ضغوطًا على وزير الخارجية البريطاني آنذاك للتدخّل في قضيّة قانونيّة رفعها معارض مقيم في المملكة المتحدة ضد الحكومة السعوديّة، على خلفية تعرضه للمراقبة الرقميّة. وقد أبلغ وزراء سعوديون مسؤولين بريطانيين بأن هذه القضيّة قد تكون لها "تداعيات على الاستثمارات السعوديّة الحالية والمستقبليّة في المملكة المتحدة". وفي الوقت الراهن، تُجري بريطانيا مفاوضات لعقد اتفاقية تجارة حرّة مع مجلس التعاون الخليجي.
دعوات لاتخاذ إجراءات
تدعو منظمات فير سكوير، والقسط لحقوق الإنسان، ومعهد البحرين للحقوق والديمقراطية، الحكومة البريطانية إلى اتخاذ التدابير التالية بشكلٍ فعّال ومتسق للتصدي للقمع العابر للحدود:
- إنشاء نقطة اتصال واضحة ومحدّدة لجميع الأفراد الذين يتعرضون للقمع العابر للحدود، بغض النظر عن الدولة المنفّذة، لتمكينهم من الحصول على المشورة والدعم اللازمين.
- تشجيع الأفراد على الإبلاغ عن جميع الحوادث المحتملة ذات الصلة عبر هذه النقطة، سواء أكانت ذات أهميّة للأجهزة الأمنيّة أم لا، وذلك لأغراض الرصد والتحليل.
- تقديم تغذية راجعة شفافة للضحايا من خلال نقطة الاتصال، توضّح الإجراءات الدبلوماسيّة التي تم اتخاذها استجابةً للتقارير الخاصّة بحالاتهم.
- توفير تدريب متخصص لقوات الشرطة حول الدول المعروفة بممارسة القمع العابر للحدود، لضمان التعامل الجاد مع الشكاوى عند تقديمها.
- تقديم تقرير سنوي إلى البرلمان حول حوادث القمع العابر للحدود في المملكة المتحدة، والجهود المبذولة من قبل وزارة الخارجية والكومنولث والتنمية، والجهات المعنيّة الأخرى للتعامل معها.
- التأكيد على أن إجراءات وزارة الداخلية تستبعد تمامًا إمكانيّة تأثر طلبات الحصول على الجنسيّة بأي اعتبارات سياسيّة أو تدخلات دبلوماسيّة من دول أخرى.
قدّم معهد البحرين للحقوق والديمقراطية إفادة مستقلّة خاصّة به ضمن التحقيق، ركّز فيها بالتفصيل على قضايا مرتبطة بمملكة البحرين. كما قدّمت مجموعة العمل المعنيّة بمكافحة القمع العابر للحدود في المملكة المتحدة، والتي تضم في عضويتها كلًّا من فير سكوير ومعهد البحرين للحقوق والديمقراطية، إفادة أخرى إلى التحقيق تعكس وجهات نظر المنظمات الأعضاء فيها.