ما زال عددٌ من سجناء الرأي في السعودية محتجزين وراء القضبان تعسفيًّا رغم انتهاء محكومياتهم، ما يؤشر على توجه مقلق في الوضع الحقوقي المتدهور أساسًا في السعودية.
تأكد للقسط مؤخرًا أنّ المدافع عن حقوق الإنسان محمد الربيعة ما زال وراء القضبان رغم إنهائه محكوميته. كان اعتقال الربيعة ضمن موجة اعتقالات 15 مايو 2018 التي استهدفت مجموعة من المدافعات والمدافعين عن حقوق الإنسان، منهن لجين الهذلول وعزيزة اليوسف، وحكمت عليه المحكمة الجزائية المتخصصة في 20 أبريل 2021 بالسجن لمدة ست سنوات ونصف السنة، اثنتان منها مع وقف التنفيذ، على خلفية دعاوى معنية بنشاطه السلمي ودفاعه عن حقوق المرأة، وقد تعرض في أثناء سجنه للتعذيب الوحشي.
وليس الربيعة وحده من معتقلي الرأي ممن لا زالوا في السجن رغم انتهاء محكومياتهم، فمنهم المسؤول الفلسطيني السابق محمد الخضري، الذي ما زال مسجونًا في السعودية في ظروف تشكل خطرًا على حياته، رغم انتهاء محكوميته في فبراير 2022. فبعد اعتقال الخضري في أبريل 2019 حكم عليه في 2021 بالسجن لمدة 15 سنة، خفضت الاستئناف في ديسمبر 2021 الحكم إلى ست سنوات نصفها مع وقف التنفيذ، في محاكمة جماعية تخللتها العديد من الانتهاكات للإجراءات القانونية الواجبة، ومع أنّه مريض بالسرطان، إلا أن السلطات السعودية تواصل حرمانه من العلاج الطبي اللازم. وممن استهدفتهم السلطات بهذه الممارسة الصحفي أحمد الصويان، الذي اعتقل ضمن موجة اعتقالات سبتمبر 2017، وحكم عليه بالسجن لمدة ثلاث سنوات على خلفية دعاوى معنية بحرية التعبير.
وفي عددٍ من القضايا، قامت السلطات السعودية بزيادة مدد أحكام المعتقلين قبل أو قُبيل الإفراج عنهم، فقد تفاجأ خالد العودة، الذي اعتقل في سبتمبر 2017 بعد تغريدة عن أخيه المعتقل الداعية سلمان العودة، بتمديد حكمه الابتدائي بالسجن لمدة خمس سنوات، بعد أنْ كان مقررًا له الانتهاء في يوليو 2022. ومثله المدون عبد العزيز العودة، الذي اعتقل في سبتمبر 2019 بعد نشره تغريدات على حسابه في تويتر، فبعد الحكم عليه بخمس سنوات بالسجن (نصفها مع وقف التنفيذ)، مددت محكوميته لتتجاوز الحكم الأولي. وأما في حالة الناشط الحقوقي خالد العمير، فقد زادت محكمة الاستئناف حكمه من سبع سنوات بالسجن إلى تسع.
وفي حالاتٍ أخرى، يعاني معتقلو الرأي المفرج عنهم بعد تعرضهم لهذه الممارسة المسمّاة بـ "التطويف"، من قيود قاسية مثل المنع التعسفي من السفر والعمل والنشاط على شبكات التواصل الاجتماعي. وآخر هؤلاء الشاعر والفنان الفلسطيني أشرف فياض الذي أفرج عنه في 22 أغسطس 2022، بعد 10 شهور من انتهاء حكمه في أكتوبر 2021، وقد اعتقل فياض في السعودية في 1 يناير 2014 وحكم عليه بداية بالإعدام على خلفية نشره بعض القصائد، وخفف الحكم النازل بحقه لاحقًا إلى محكومية بالسجن مدتها ثمان سنوات.
وقبله في 3 فبراير من هذا العام، أفرج عن الناشط الحقوقي فهد الفهد والصحفي فهد السنيدي، بعد قرابة السنة تقريبًا من انتهاء محكوميتيهما. والفهد اعتقل في 7 أبريل 2016 وحكم عليه بالسجن لمدة خمس سنوات ومنع السفر لمدة 10 سنوات على خلفية تهم متعلقة بنشاطه المدني، وأما السنيدي المعتقل في 11 سبتمبر 2017 فقد حكم عليه بالسجن لمدة ثلاث سنوات ونصف السنة على خلفية دعاوى معنية بحرية التعبير (ويجب الأخذ بعين الاعتبار أنّ الأحكام بالسجن في السعودية تعتمد على التقويم الهجري، وهو أقصر بقرابة 11 يومٍ في السنة من التقويم الميلادي).
وهذه الظاهرة ليست بالجديدة فمعتقلو الرأي في السعودية يسجنون منذ زمن لمددٍ أطول من محكومياتهم الفعلية، وذلك مخالفٌ حتى للقوانين والأنظمة المحلية، فالمادة 2 من نظام الإجراءات الجزائية تمنع هذه الممارسة. وفي بعض الحالات كان المعتقلون يحتجزون في لفترات إضافية في مركز الأمير محمد بن نايف للمناصحة والرعاية، على أساسِ كونهم "ضالين" أو "إرهابيين" حسب وصف السلطات.
ولكن تدهورًا حصل في الأشهر الماضية، بتزامنٍ مع تدهور الوضع الحقوقي في السعودية عامةً، بموجةٍ لا سابقة لها من أحكام السجن المطولة، ما تزامن أيضًا مع تحسن الموقف الدبلوماسي لولي العهد السعودي والحاكم الفعلي للبلاد محمد بن سلمان، الذي نبذته القيادات الدولية منذ جريمة قتل الصحفي جمال خاشقجي بتخطيط من الدولة في 2018 قبل إعادة احتضانه مؤخرًا.
وعلقت رئيسة الرصد والتواصل لينا الهذلول على التقارير الواردة واصفةً إياها بأنه "آخر الدلائل على قسوة السلطات السعودية، فحتى بعد إنهاء المعتقلين محكومياتهم الجائرة أساسًا، التي أنزلت بحقهم إثر محاكمات باطلة، تواصل احتجازهم تعسّفيًا أو تعيد محاكمتهم بما يخالف القوانين المحلية والمعايير الأساسية الدولية لحقوق الإنسان".
تدعو القسط السلطات السعودية لإنهاء هذه الممارسات التعسفية، وللإفراج الفوري وغير المشروط عن أولئك المعتقلين بعد إكمال محكومياتهم، وكذلك كافة معتقلي الرأي المحتجزين لممارستهم حقوقهم الأساسية بنحو سلمي.