تاريخ النشر: 29/04/2017

في 27 أبريل 2017 أعلنت الأمم المتحدة عن تحديد 30 أبريل 2017 موعدًا لزيارة المقرر الخاص المعني بحقوق الإنسان ومكافحة الإرهاب إلى السعودية. وأن الزيارة الرسمية للمقرر (بين إميرسون) سوف تستغرق من 30 أبريل حتى 4 مايو لرصد آليات مكافحة الإرهاب ومدى تأثيرها على حقوق الإنسان.

القسط ترى أن الإعلان على الزيارة جاء في وقت متأخر جدًا، وترى أن الزيارة الهامة يجب أن تستثمر بالشكل الأكبر لدعم مكافحة الإرهاب فيما لا يضر بحقوق الإنسان، وبما لا يسمح للسلطات من استغلال الحرب على الإرهاب لتحويلها لحرب على الحقوق والحريات، وحرصًا من القسط على أن تأخذ الزيارة مجراها الصحيح بما يخدم الشعب السعودي والشعوب الأخرى وبعيدًا عن مجاملة السلطات التي ترتكب الانتهاكات المتكررة بحق الشعب فإن القسط تؤكد على النقاط التالية:

أولًا: البعد الفكري والشرعي، تؤكد القسط أن مكافحة الإرهاب يجب أن تبدأ بمكافحة أفكاره وأسسه الفكرية، وحيث أن للإرهاب أشكال متنوعة ومختلفة، إلا أننا نعني في بياننا هذا الإرهاب الذي يهم المقرر في زيارته للسعودية، وهو الإرهاب الذي أثر ويؤثر بالشعب السعودي، ويحمل أفكارًا تعد هي القواعد الأساسية له، وهي، اللجوء للعنف والقوة واستباحة القتل للتغيير السياسي والفكري، ورفض الديموقراطية وحقوق الإنسان أو ما يعرف بالحكم الشوري القائم على حكم شعبي بدل حكم فردي استبدادي باسم (ولي الأمر)، ورفض الرأي المخالف والحدة مع المخالف واقصاؤه والسماح بقتاله أو سجنه، واعتبار من يصل للسلطة بالقوة هو الحاكم الشرعي واعتبار هذه الآلية العنيفة هي وحدها الطريق للتغيير، وبهذا -برأيهم- يصبح هذا الذي يصل للسلطة أو يستطيع فرض سلطة -على منطقة ما- هو ولي أمر تجب طاعته ولا يجوز نقده ولا نقاشه. وبهذا، نشأت جماعات مسلحة تقاتل من يخالفها لمحاولة التغيير والسيطرة، وهذا هو الأساس الفكري الأول لدى هذه الجماعات. القسط تذكر وتؤكد أن هذا هو ماقامت به السلطات السعودية، وهذا ما تدرسه في مناهجها الدراسية، وهذا ما يدعوا له المفتون الرسميون للدولة الذين تعينهم وتمنع انتقادهم، وتؤكد القسط أن السلطات السعودية نشأت عن طريق العنف المسلح، ومنذ ذلك الزمن حتى يومنا هذا وهي تقصي المخالف وتبيح الانتهاك بحقه، من القتل إلى السجن وصنوف القمع الأخرى، وبهذا تؤكد القسط أن السلطات السعودية التي جمعت آراء شرعية شاذة قامت بانتقائها منذ زمن الحكم الأموي الاستبدادي حتى شكلت منها مدرسة دينية أبرزتها ونشرتها لتضيف شرعية على حكمها وحصانة دينية على حكامها، وهذا الجمع الشرعي لآراء شاذة ومرجوحة ومرفوضة من علماء مستقلين ومؤكد عليه من المدرسة الدينية السعودية ومن رجالها المقربين، وهو الأساس الشرعي والقوي والفكري للعدد الأكبر من الجماعات المسلحة وأبرزها داعش.

وتكرس السلطات شرعية مشروعها الذي قام على العنف أو التغلب وفرض السلطة بالقوة الجبرية وتحت تهديد السلاح، وبوسائلها المختلفة تجرم كل طرق التغيير السلمي، ففي السعودية لا يوجد تمثيل رسمي للشعب، ولا يسُمح له بقول كلمته أو بابداء رأيه في أي من أموره مهما صغر أو كبر، فلا يوجد برلمان منتخب، ولا مجالس قبلية (حيث كانت القبيلة سابقًا تمارس حق اختيار ممثليها، وأصبحت الآن تحت سيطرة السلطة)، ولا يوجد أيضًا مجالس بلدية ذات صلاحية، ولا يوجد مؤسسات مجتمع مدني، ولا يسمح بأنشاء أحزاب، ولا بنقابات، ولا يسمح بتكتلات تتخذ مطالب مشتركة، ولا يوجد طريقة للتواصل مع المسؤولين سوى مايدعى الأبواب المفتوحة التي لا يمكن إعتبارها وسيلة حقيقة للتعبير عن الرأي!

ثانيًا: استخدام الحرب على الإرهاب كذريعة لقمع حقوق الإنسان، فالسلطات السعودية تحاكم وتعاقب نشطاء حقوق الإنسان ودعاة الإصلاح في المحكمة الجزائية المتخصصة، وتصدر ضدهم أحكامًا قاسية، ولعل آخرهم عضوي جمعية حسم عبدالعزيز الشبيلي وعيسى الحامد، وغيرهم كالناشط الحقوقي وليد أبوالخير، كما أنها تأخذ دعاة المجتمع المدني إلى مركز محمد بن نايف للمناصحة، الذي يناصح فيه من يصنفونهم بأصحاب المناهج الضالة، وقد أخذت إلى هذا المركز الناشط الحقوقي الشهير محمد البجادي، وكذلك داعية الإصلاح خالد العمير، أما في نظام جرائم الإرهاب وتمويله الصادر في فبراير 2014 فقد نصت المادة الأولى منه الفقرة (أ) أن الجريمة الإرهابية هي:

كل فعل يقوم به الجاني تنفيذاً لمشروع إجرامي فردي أو جماعي بشكل مباشر أو غير مباشر، يقصد به «الإخلال بالنظام العام، أو زعزعة أمن المجتمع واستقرار الدولة أو تعريض وحدتها الوطنية للخطر، أو تعطيل النظام الأساسي للحكم أو بعض مواده، أو الإساءة إلى سمعة الدولة أو مكانتها، أو إلحاق الضرر بأحد مرافق الدولة أو مواردها الطبيعية، أو محاولة إرغام إحدى سلطاتها على القيام بعمل ما أو الامتناع» عنه، أو التهديد بتنفيذ أعمال تؤدي إلى المقاصد المذكورة أو التحريض عليها.

وبموجب هذا التعريف فإن كل من أساء لسمعة الدولة أو مكانتها فقد اقترف جريمة إرهابية، وبموجب هذه المادة فقد تمت إدانة نشطاء بينهم ناشط حقوق إنسان لتواصلهم مع منظمات حقوق الإنسان العالمية وتواصلهم بالإعلام للحديث عن انتهاكات حقوق الإنسان، وقد اعتبرت السلطات السعودية ذلك إساءة لسمعة الدولة ومكانتها.

ووفق هذا التعريف فإن توقيع البيانات، أو أعمالً كالاعتصام أو التظاهر أو الاضراب عن الطعام قد تعد جرائم إرهابية، إذا كانت محاولة لإرغام السلطات على القيام بعمل ما أو الامتناع عنه! ومع هذا توضح السلطات بأنها ترفض أي محاولة سلمية لثنيها عن انتهاكاتها أو دفعها قدمًا لاحترام حقوق الانسان، مهما كانت هذه المحاولات سلمية وقانونية ومشروعة، إلا أنها جريمة إرهابية بما أنها تخالف رغبات السلطة وتحاول أن تطالب بشيء مختلف عنها، ولعل من الأمثلة ما كان في يوم الخميس الموافق 25 ديسمبر 2014 حيث صرفت المحكمة الجزائية في محافظة الأحساء النظر في قضية مقامة ضد سيدتين قامتا بقيادة سياراتهما وحكمت بأحالة القضية للمحكمة الجزائية المتخصصة وذلك كون القضية تعد من جرائم الإرهاب.

ثالثًا: التجاوزات والانتهاكات ضد من يرتكبون أو يشتبه في ارتكابهم أعمالًا قد توصف بالإرهاب، وبهذا تؤكد القسط أن ارتكاب أي شخص لجريمة ما، أو الاشتباه فيه لا يعني أبدًا عدم حصوله على حقوقه المشروعة التي نصت عليها الأنظمة والقوانين، ولا يسمح ذلك إطلاقًا بتعذيبه أو انتزاع الأقوال منه، أو إجباره على اتخاذ مواقف محددة تحت التعذيب والإكراه، ولا يجوز أيضًا الزج بالناس في السجون لسنوات دونما محاكمة أو توجيه تهمة، إن من حق من اتهم بالإرهاب أن تحفظ حقوقه وألا يتعرض للتعذيب، وأن يعرض على محاكمة عادلة ومستقلة وتكتمل فيها شروط المحاكمة العادلة، وأن يسمح له بتوكيل محام يدافع عنه.

رابعًا: مسؤولية السلطة، إننا في القسط نذكر بأن السلطات السعودية قامت بإرسال عدد من الشباب المدني والغير منخرط في أي أعمال عسكرية إلى أماكن الصراع، وقد كان هذا معلنًا بشكل رسمي في إرسال الشباب ودعمهم وتحريضهم على الذهاب للقتال في العراق، وفي أماكن أخرى من العالم وإن لم يكن معلن بشكل رسمي في بعض المرات، كما أن السلطات اعتقلت ثم أفرجت عن بعض المعتقلين ليلتحقوا لا حقًا بالجماعات المسلحة أو لينفذوا أعمالًا إرهابية، وذلك بعد الزج بشباب صغار مع قيادات هذا الفكر في السجون، ومنهم من لم يكن له أي علاقة بالعنف، ومنهم من سجن بسبب مظاهرات سلمية ليخرج وهو متبني للفكر المتشدد، وكأنهم في دورة تدريبية على العنف ليخرجوا بعد ذلك كمتبنين أو متزايدين في تبني هذه الأفكار، وفي هذا إشارة إلى رغبة أو ربما دلالة على فشل لدى السلطات السعودية لصناعة مزيد من الشباب المتبنين لهذه الأفكار، إذ تتحول السجون السياسية السعودية إلى مايشبه الحاضنة التدريبية والدافعة لتبني أفكار العنف.

وبهذا فإننا في القسط ندعو المقرر الخاص بين أمريسون المعني بحقوق الإنسان ومكافحة الإرهاب إلى السعودية وفريقه إلى ما يلي:

أولًا: طلب لقاء رجال الدين المعينيين من قبل السلطة السعودية لمعرفة مدى مسؤولية السلطة عن خلق بيئة فكرية حاضنة للفكر الإرهابي، ونطلب منهم لقاء صالح الفوزان بصفته الرجل الأقرب للملك سلمان، وهو المفتي الأقوى لدى السلطة السعودية، والذي تبعثه السلطات السعودية للجامعات، وتقيم له الدورات الدائمة في المساجد، وتفتح له شاشات التلفاز، وترسل كتبه لأنحاء العالم، وتمنع بشكل رسمي نقده، ويعمد الملك ووليي العهد الأول والثاني إلى إظهار تقديره واحترامه وتقديمه كرجل دين الدولة، لذا نطلب من المقرر طلب لقائه، وسؤاله عما ورد في النقطة الأولى في هذا البيان، وعن الرأي السعودي الشرعي في جواز المشاركة السياسية السلمية، بما في ذلك الأعمال المدنية والحزبية ومؤسسات المجتمع المدني والاحتجاج السلمي، مقابل رأيه في التغيير بالعنف والقوة والسلاح، وحكم من فرض أمرًا بالعنف وعن الرأي في وجوب طاعت المتغلب وعدم جواز نقده، ليتضح للفريق هذا الارتباط، وليوضح الفريق للعالم هذا الارتباط كنقطة أولى وجوهرية وجادة لمقاومة الإرهاب فعليًا لا شكليًا.

ثانيًا: لقاء نشطاء المجتمع المدني وحقوق الإنسان الذين تمت معاقبتهم في المحكمة الجزائية المتخصصة أو وفق قانون الإرهاب، أو تمت مناصحتهم في مركز محمد بن نايف للمناصحة، ومراجعة قانون الإرهاب والمحكمة الجزائية المتخصصة ومركز المناصحة وشرعيتها القانونية، وكذلك مراجعة عدم استقلالية المحكمة الجزائية المتخصصة وغيرها من المحاكم وكذلك هيئة التحقيق والادعاء العام.

ثالثًا: مراجعة تعهدات السلطات السعودية في منع التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة اللاإنسانية أو المهينة، ومراجعة تعهدات السلطات السعودية بضمان محاكمات عادلة لكل متهم، ومراجعة عدم وجود ضمانات رقابة شعبية على هذه التعهدات، وسؤال السلطات السعودية عن التقرير الذي سلمه الدكتور محسن العواجي لوزير الداخلية والذي لم يتخذ فيه أي خطوات منذ أكثر من 17 عام حتى الآن، وهو التقرير الأشهر والذي تم بناء على طلب وزير الداخلية نفسه، وهي الفرصة التي كشفت وجود فضائح تعذيب رهيب لم تتسن الفرصة لكشفه بعد ذلك، ولذا ندعو للضغط على السلطات للسماح للمجتمع المدني بإنشاء مؤسساته المدنية والحقوقية للقيام بدورها في رقابة ومحاسبة أداء أجهزة السلطة وكشف الانتهاكات.

رابعًا: الضغط على السلطات لتسمح بزيارة السجون زيارات حقيقية غير تجميلية، يسمح فيها بزيارة سجون عشوائية دون ترتيبات مسبقة، ودون السماح للسلطات لانتقاء الزمان والمكان المحدد للزيارة، ويتم لقاء من يتم طلبه من السجناء سواء بانتقاء الفريق الذي يقوم بالزيارة أو كعينة عشوائية، ويكون اللقاء مع شريحة كبيرة وفي مواقع مختلفة وعلى انفراد لكي يكون السجين بمأمن من تهديد السلطة التي ترافق الفريق أو تراقبه، وليصدر الفريق تقريره مما رصد لاحقًا دون أن تتمكن السلطة لا حقًا من تعذيب أو معاقبة المصدر، وأي زيارة لا تمتثل لذلك فهي تجميلية للنظام ومخاطرة بسلامة السجناء.

ختامًا القسط تدعو لمراجعة هذه النقاط، وأخذها بعين الاعتبار قبل الشروع في الزيارة، وذلك لاستغلال هذه الزيارة بالشكل الأمثل وبما يفيد في مكافحة الإرهاب وحقوق الإنسان، ولا يصب في صالح السلطات القمعية، التي تسببت في زيادة وانتشار الإرهاب وقمعت الحقوق والحريات.



القسط لحقوق الإنسان

فولهام، لندن

تابع القسط على تويتر: @ALQST_ORG

مشاركة المقال
المجتمع المدني يُطالب باتخاذ الإجراءات اللازمة قبيل انعقاد منتدى حوكمة الإنترنت
منظمات حقوق الإنسان المُوقّعة أدناه، نحثّ حكومة المملكة العربية السعودي على إطلاق سراح جميع المعتقلين الذين اعتقلتهم السلطات السعودية بسبب تعبيرهم عن آرائهم على الإنترنت قبل انعقاد منتدى حوكمة الإنترنت 2024 (IG
منح السعوديّة حقوق إستضافة كأس العالم 2034 يعرّض حياة الناس للخطر ويكشف عن التزامات الفيفا الفارغة في مجال حقوق الإنسان
إن تأكيد السعوديّة اليوم على استضافة كأس العالم للرجال 2034، على الرغم من المخاطر المعروفة والشديدة التي تهدّد السكّان المقيمين والعمّال المهاجرين والمشّجعين الزائرين على حد سواء، يمثل لحظة خطر كبير.
ملف الترشح السعودي لكأس العالم 2034 يترك خطرًا مباشرًا مفتوحًا لانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان –إحاطة إعلامية جديدة من القسط
إنّ محاولات السعوديّة لاستضافة كأس العالم 2034 لكرة القدم للرجال لا ترقى إلى الحد الأدنى من معايير حقوق الإنسان الخاصة بالإتحاد الدولي لكرة القدم، وتترك المجال مفتوحًا على مصراعيه لخطر حدوث الانتهاكات.