يسلّط موجز جديد صادر عن منظمة "القسط" الضوء على كيفية قيام السلطات السعوديّة بمنع أعداد متزايدة من المواطنين من مغادرة البلاد بشكل تعسفي، من خلال فرض حظر سفر غير قانوني. وتمثّل هذه الممارسة العقابيّة انتهاكًا جسيمًا يخلّف آثارًا إنسانيّة مدمّرة، كما تعكس تصعيدًا متزايدًا، وغالبًا ما يكون خفيًا، في حملة القمع المستمرة منذ سنوات ضد أي شكل من أشكال المعارضة السلميّة.
كما ويسلّط التقرير المعنون "الاعتداء على حرية التنقّل: استخدام حظر السفر التعسفي في السعوديّة" الضوء على التناقض الصارخ بين هذه السياسة القمعيّة والصورة العصريّة التي يسعى القادة السعوديون لتسويقها أمام العالم. فبينما تفتح المملكة أبوابها للاستثمار الأجنبي والسياحة والمشاهير الدوليين، تقوم في المقابل بإغلاق حدودها بشكل تعسفي وقاسٍ في وجه العديد من مواطنيها، في انتهاك واضح لكل من القانون الدولي لحقوق الإنسان والتشريعات الوطنيّة للمملكة على حد سواء.
ففي السنوات الأخيرة، ولا سيما خلال الأشهر الأولى من عام 2025، تم الإفراج عن العشرات من معتقلي الرأي بعد سنوات من الاحتجاز التعسفي، في خطوة تعكس أثر جهود المناصرة والدعوة الحقوقيّة. ومع ذلك، فإن معاناتهم لم تنتهِ عند هذا الحد، إذ لا يزال أغلبهم محظورين من السفر إلى الخارج، في إجراء عقابي على ممارستهم السلميّة لحقوقهم الإنسانيّة.
وغالبًا ما تُفرض قرارات حظر السفر بحقهم عبر أحكام قضائيّة تمتد لسنوات طويلة، إلا أنها تُطبّق أحيانًا بشكل غير رسمي ودون تحديد مدة زمنيّة، كما حدث في حالتي الناشطتين البارزتين في مجال حقوق المرأة، لجين الهذلول ومريم العتيبي. ولا تقتصر هذه الإجراءات على الأفراد وحدهم، بل تمتد في كثير من الأحيان لتشمل أفراد أسرهم أيضًا، مما يجعلها شكلاً من أشكال العقاب الجماعي، كما هو الحال بالنسبة لجميع أفراد عائلة الهذلول المقيمين داخل المملكة، وعائلة رجل الدين الإصلاحي سلمان العودة بكاملها، البالغ عددهم 19 فردًا.
إضافةً إلى ذلك، تقيّد أوامر حظر السفر التعسفي، والتي قد تُرفَق أحيانًا بحظر على العمل أو على استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، قدرة الضحايا على ممارسة حياتهم بشكل طبيعي وكامل، إذ تمنعهم من زيارة أفراد أسرهم المقيمين في الخارج، أو تحقيق طموحاتهم الشخصيّة والمهنيّة، أو حتى الحصول على رعاية صحيّة متخصّصة خارج البلاد.
فعلى سبيل المثال، أُفرِج عن المدافع عن حقوق الإنسان محمد القحطاني في شهر يناير الماضي، إلا أنه لا يزال خاضعًا لحظر سفر مدته 10 سنوات، ما يحول دون لمّ شمله مع زوجته وأطفاله الخمسة المقيمين في الولايات المتحدة. وبالمثل، تواجه طالبة الدكتوراه سلمى الشهاب، التي أُفرِج عنها في شهر فبراير، على ما يبدو حظر سفر يمتد لثماني سنوات، ما يمنعها من استكمال دراستها العليا (الدكتوراه) في المملكة المتحدة.
كما وتُظهر هذه الإجراءات أن موجة الإفراجات الأخيرة عن السجناء لا تمثل تخفيفًا حقيقيًا في القمع المنهجي الذي تمارسه السلطات ضد المعارضة السلميّة، ولا تشكّل تحولًا جوهريًا في سجلها الحقوقي المتدهور. فلا يزال العديد من معتقلي الرأي رهن الاعتقال التعسفي، في وقت شهدت فيه البلاد تصاعدًا في وتيرة الإعدامات مؤخرًا، ولا سيما في قضايا تتعلق بجرائم مخدرات غير العنيفة.
تدعو القسط المجتمع الدولي إلى حثّ السلطات السعوديّة على رفع جميع أوامر حظر السفر المفروضة على الأفراد بسبب ممارستهم لحقوقهم الأساسيّة، وكذلك تلك المفروضة على أفراد أسر الأشخاص المستهدفين، واحترام حقهم الجوهري في حرية التنقّل.