في تصعيد جديد لسلسلة انتهاكات حقوق الإنسان المرتبطة بمشروع "نيوم"، أقدمت قوات أمن الدولة السعودية، مساء 16 يونيو 2025، على طرد والدة عبد الرحيم الحويطي وشقيقته — آخر سكان قرية الخريبة — قسريًا من منزلهم، بحضور محافظ ضباء محمود الحربي. تمثل هذه الحادثة حلقة أخرى في مسلسل الإخلاء القسري والانتهاكات الجسيمة بحق سكان المنطقة، مما يثير تساؤلات حول جدوى اختيار الموقع كإحدى المدن المضيفة لكأس العالم 2034 في السعودية.
تعود جذور الأزمة إلى يناير 2020، حين تلقى سكان قرية الخريبة وعدد من القرى الأخرى في منطقة تبوك إنذارات بالإخلاء القسري، بهدف إفساح المجال أمام مشروع "نيوم"، الذي يُعد أحد أبرز مشاريع رؤية السعودية 2030. وعلى الرغم من احتجاجات الأهالي — وغالبيتهم من قبيلة الحويطي، إحدى القبائل العريقة في المنطقة — وتقديمهم عرائض واعتراضات رسمية، شرعت السلطات في تنفيذ قرارات الإخلاء في مارس من العام نفسه، مستخدمة أساليب قمعية شملت الاعتقالات التعسفية لعشرات السكان.
أصبحت القرية الآن خالية بالكامل بعد أن شهدت عمليات هدم واسعة في ديسمبر 2023 حيث دُمّر حوالي 15 منزلاً وأُجبر سكانها على المغادرة. كانت عائلة الحويطي آخر من تمسك بأرضه، رافضة التهجير طالما ظل أبناؤها في السجن بسبب احتجاجهم السلمي على الإخلاء. سبق أن وجهت إدارة نيوم إنذاراً نهائياً بضرورة إخلاء المنزل، وحُول الأمر إلى إمارة تبوك لتنفيذه.
في مساء يوم 16 يونيو 2025، اقتحمت قوات أمن الدولة منزل والدة عبدالرحيم الحويطي — الذي قُتل برصاص قوات الأمن عام 2020 بعد معارضته لسياسات الإخلاء — بحضور محافظ ضباء محمود الحربي. وقد جاء الاقتحام بعد رفضها إخلاء المنزل دون الإفراج عن أبنائها المعتقلين قسرًا.
قامت القوات بطردها مع ابنتها تحت تهديد السلاح، منهية بذلك فصلًا طويلًا من الصمود والمقاومة السلمية في وجه سياسات الاستبداد، وذلك من أجل مشروع مثير للجدل.
وثّقت منظمة القسط عن كثب كيف أن العشرات ممن اعتُقلوا بسبب مقاومتهم السلمية للتهجير القسري، حوكموا لاحقًا بموجب قانون مكافحة الإرهاب في المملكة، وصدر بحقهم أحكام بالسجن تتراوح بين 15 و50 سنة، وفي بعض الحالات صدرت ضدهم أحكام بالإعدام. ورغم الإفراج مؤخراً عن عدد من أفراد قبيلة الحويطي ضمن حملة إفراجات واسعة، من بينهم عبد الله دخيل الله الحويطي (50 سنة) وثامر تيسير الحويطي (20 سنة)، فإن الكثيرين لا يزالون في السجون، وبعضهم على قوائم الإعدام.
عقب الطرد القسري الذي شهدته المنطقة عام 2020، اصطدم السكان بسياسة تعويضات اتّسمت بالتعسف وانعدام الشفافية. فقد حُرم عدد كبير منهم من التعويضات التي وُعدوا بها، في ظل غياب آليات واضحة للمراجعة أو الاعتراض. كما قوبلت مطالبهم بالاستقرار في مواقع قريبة من قراهم الأصلية بالرفض، ما اضطر كثيرين إلى الانتقال إلى مناطق نائية بين تبوك وضباء، غالبًا في أحياء تفتقر إلى الخدمات الأساسية وتُصنّف ضمن الفئات الأفقر.
حتى أولئك الذين لجأوا إلى قرى مجاورة — مثل الخريبة نفسها — لم يسلموا من التهديد المستمر بالإخلاء، مما أبقى أوضاعهم المعيشية والاجتماعية في حالة دائمة من عدم الاستقرار والقلق.
ليست انتهاكات حقوق الحويطي سوى حلقة في سلسلة طويلة من مصادرة الأراضي والتهجير القسري الذي تمارسه السلطات السعودية، والذي تصاعد مؤخراً مع مشاريع عملاقة مثل نيوم و"وسط جدة". فمنذ أكتوبر 2021، شهدت جدة - إحدى المدن المرشحة لاستضافة كأس العالم - عمليات هدم وإخلاء جماعي أثرت على نصف مليون شخص، بانتهاكات صارخة للمعايير الدولية.
كما سلطت تقارير سابقة الضوء على مخاطر انتهاكات حقوق العمال في نيوم، بالإضافة إلى الكارثة البيئية التي يتسبب فيها المشروع، مما يزيد من تداعياته الإنسانية الخطيرة.
تدعو القسط السلطات السعودية إلى:
- فتح تحقيق عاجل وشفاف في عمليات الإخلاء القسري.
- توفير التعويض اللازم للمتضررين.
- تلبية الاحتياجات العاجلة للمهجّرين، بما في ذلك السكن والخدمات الأساسية.
الإفراج الفوري وغير المشروط عن معتقلي قبيلة الحويطات.
كما تدعو المنظمةُ الشركاتِ والمستثمرين المشاركين في مشروع "نيوم" إلى مراجعة التزاماتهم بموجب مبادئ الأمم المتحدة التوجيهية بشأن الأعمال التجارية وحقوق الإنسان، واستخدام نفوذهم للضغط من أجل وقف الانتهاكات المستمرة، بما في ذلك المطالبة بإطلاق سراح المحتجزين من أفراد الحويطي.
إن هذا الواقع المأساوي يثير تساؤلات جدّية حول شرعية اختيار السعودية لاستضافة كأس العالم 2034، في ظل استمرارها في انتهاك أبسط حقوق السكان في المناطق التي تُقام فيها مشاريع مرتبطة بالبطولة.