تاريخ النشر: 29/05/2018

إن الأسوء والأخطر من الظلم نفسه، هو تطبيع ذلك الظلم، وجعله أمرا مقبولا ومستساغا، وجعل البيئة قابلة له ليستمر وينتشر ويتجذر، ويحصل ذلك بعدم مواجهة الظلم بالطرق الكافية، أو بعدم المعرفة بوقوعه أو بحجمه الحقيقي، وهذا بالضبط ما يحصل في المملكة العربية السعودية.

يعلم الجميع أن السلطات السعودية مستبدة بشكل كامل، وأنه لا يوجد أي طريقة للمشاركة السياسية، ولا حتى لمراقبة أداء السلطة ومساءلتها، ولا يوجد أي سماح للتعبير عن الرأي، ولا حرية للتجمع، ولا يسمح إطلاقا بمؤسسات المجتمع المدني المستقل، وفوق هذا، لا يوجد استقلال للقضاء ولا فصل بين السلطات، فكل شيء بإرادة الملك وحده ومن يخوله، ولا يوجد دستور ولا برلمان أو أي مؤسسة تمثل الشعب، ولا بنية قانونية ولا مؤسسية تحفظ للناس أمنهم، ويعرفون وفقها حقوقهم ومالهم وما عليهم، ولا إعلام حر ومستقل ينقل الواقع، ومن يحاول بشكل مستقل أن ينتقد أو يبين الحقيقة فهو يضع نفسه في مواجهة أجهزة السلطة، ومن لا ترضى عليه السلطات، قد يحال إلى فقير مشغول بلقمته ومصاريف أسرته، حيث الفصل من العمل، والحرمان من التكسب، والتضييق في التجارة، حتى يحال إلى فقير تماما، أو يدفع إلى نفاق السلطة والترويج لها ليستطيع العيش، وبهذا استطاعت السلطات قمع الداخل وترهيبه، وصناعة رأي يمجد السلطات ويؤيد أي قرار تتخذه مهما كان مضرا، واستطاعت خداع العالم في الخارج، وتقديم صورة لهم مغايرة عما يحدث في الداخل، من قمع واستبداد وفقر وبطالة وفساد وتدمير للمكون الاجتماعي بزراعة التطرف والكراهية والعنصرية والطائفية، وقد كتب عن هذا جهات عدة، بعد تواصل مع الداخل بحذر ومخاطرة، ولكنها جهود متواضعة مقارنة بالدعاية العظيمة التي تروج لها السلطات بمليارات الدولارات، وبمعونة أكبر شركات العلاقات العامة.

إن نشطاء حقوق الإنسان هم الصوت الذي لا ينحاز لطرف دون طرف، وهمه الإنسان وحقوقه، ووجودهم مصلحة للجميع، فوجودهم يمنح فرصة لكل أبناء المجتمع، فهم يرصدون الانتهاك ويرفضونها ضد أي طرف، ويطالبون بحرية التعبير للجميع، فهم صمام الأمان لكل مجتمع، وبهذا كان قمع السلطات السعودية عليهم مضاعفا، وكان واجبنا تجاههم مضاعفا أيضا، ولذا نخصص هذه الحملة لهم.

فعمل نشطاء حقوق الإنسان هام وضروري للغاية، حيث أصبحوا النافذة الوحيدة لكشف الحقيقة، بتواصلهم مع المنظمات والإعلام بمصداقية وبعيدا عن إملاءات السلطات، ولكن السلطات مدركة لذلك، ولهذا فهي تضرب بيد من حديد كل من تكتشف عمله، وتقوم بتشويه سمعته، وتحكم عليه بقسوة، وتستخدم ضده قانون مكافحة الإرهاب، ومحكمة كان من المفترض أن تختص بشؤون الإرهاب (المحكمة الجزائية المتخصصة).

فأرعبت كل من يحاول أن يسلك هذا المسلك النبيل، وقل عدد النشطاء، وغاب الكثير خلف القضبان، وتحول بعضهم خوفا من القمع، وأصبح من الصعب علينا استقطاب مزيد من الشباب لدعم الحقوق والحريات، وبهذا تغيب الحقيقة في الداخل، ليتكرس القمع والاستبداد، وليتطبع الناس على ذلك في ظل عدم وجود نقد مستقل، ويختفي كل صوت عدا صوت السلطة، ومؤيد للسلطة، وخائف من السلطة، وتختفي الحقيقة. ويتم نسيان الأبطال الذين دفعوا ثمنا غاليا للدفاع عن الحقوق، ينسون خلف القضبان، وقد يصدق البعض رواية السلطة، فيصفهم بالإرهابيين ومعطلي عجلة التنمية وعملاء الغرب ومشوهي سمعة البلاد، كما تتهم السلطات دائمًا.

إن بيئة العمل في السعودية ليست بيئة صانعة للأبطال مثل بلدان أخرى التي يقاوم فيها الأبطال للظلم في وسط وجود حاضنة اجتماعية، وفي ظل وجود إعلام وتغطية تفيهم حقهم، فيكونون رموزا وأبطالا بما قدموا وبذلوا.

ولكن الأبطال في السعودية، يبذلون الكثير، ويضحون كثيرا، في ظل ضعف للحاضنة الشعبية، وضعف للتغطية العالمية، لتقتل تضحياتهم، وقد تقتل شخصياتهم كرموز للأجيال، ويقمعون ثم يتم نسيانهم. فعند اعتقال ناشط أو ناشطة فإننا كمنظمات، نطالب بالإفراج، وكأننا نطالب السلطة عن التوقف عن الخطأ فقط، دون أن نطالب برد الاعتبار لهؤلاء الأبطال، ومعنا الإعلام والمؤسسات والدول تتفاعل ونتفاعل في أول أيام الاعتقال، ثم يخف العمل بعد أن تصدر السلطات حكما قضائيا جائرا ضد الناشط، ثم قد يتحول ضغطنا إلى طلب تسهيل زيارة للمعتقل، والتوقف عن التعذيب وسوء المعاملة، وتحسين ظروف الاعتقال، وكأن أمر الاعتقال قد بات مقبولا، فنتراجع نحن في ضغطنا وتتقدم السلطات في قمعها، ولا تعاني السلطات الضغط الدولي إلا فترة الاعتقال، ثم يغيب الضغط، وتتخلص السلطات من النشطاء خلف القضبان دون أن تدفع ثمن فعلتها، ثم تحسن صورتها في الخارج بالأموال والصفقات. ولهذا، ترى القسط أنه أصبح لازما أن نعمل بطريقة مختلفة، وألا يكون تحركنا للأخبار العاجلة والطارئة فقط، وننسى الانتهاكات المتقادمة، وألا تكون مطالبنا متواضعة، وألا نسمح للسلطات بالاستمرار في هذا النهج، ولن يكون ذلك إلا بتقديم هؤلاء النشطاء كرموز وأبطال يعرفهم العالم وتقتدي بهم الأجيال، لنكرس في الأجيال رفض الظلم، ودعم الحقوق، وحب العدالة، ولذا لابد أن تكون رسالتنا إلى كل المنصات لتكريم أبطال حقوق الإنسان في السعودية، وتخليد أسمائهم، ليخلد أيضا سوء فعل من قمعهم، فيعرف العالم من يمارس القمع على حقيقته، ولا تستره حملاته الدعائية ولا علاقاته السياسية المختبئة خلف صفقات النفط والسلاح. وتدعو القسط المنظمات الصديقة، والمؤسسات، والدول، وداعمي الحقوق حول العالم أفرادا وجماعات، إلى العمل معا وفق حملات منظمة لتقديم هؤلاء الأبطال للجوائز العالمية، كجائزة نوبل للسلام، وسخاروف للفكر، وغيرهما، وتسمية الشوارع بأسمائهم، وكتابة قصصهم كروايات، وتخليدها كأفلام، وفيها ما يبهر العالم ويعزز قيم العدالة ويحد من تغول الاستبداد والظلم، وقد بذلوا أعمارهم في سبيل قيم يؤمنون بها، ومن أجلها هم يقبعون الآن خلف القضبان، كأعضاء جمعية حسم، الدكتور عبدالله الحامد الذي دخل السجن عدة مرات، وفي كل مرة يخرج من السجن يعود مجددا للمطالبة بالدستور وبحقوق الإنسان، ورفيقه الدكتور محمد القحطاني الذي عمل في منصب رفيع لم يغره فعمل مع حسم وطالب بوقف الانتهاكات والحد من تغول السلطات، ومحمد البجادي الذي سجن عدة مرات، وعندما سألته السلطات إذا كان له معتقل من أهله، فأجاب بأن كل مظلوم هو أهله، وعبدالعزيز الشبيلي وفوزان الحربي اللذان ترافعا أمام المحاكم عن أكثر من مئة ضحية لم يكن أحد ليترافع عنهم، ورفاقهم د.عبدالكريم الخضر و د. عبدالرحمن الحامد وعيسى الحامد والقاضي السابق المفرج عنه مؤخرا سليمان الرشودي. بالإضافة إلى مؤسس مرصد حقوق الإنسان وليد أبوالخير، ومؤسسي جمعية الاتحاد عبدالله العطاوي ومحمد العتيبي، وداعمي حملة السادس والعشرون من أكتوبر لقيادة المرأة، وحقوق المرأة وحقوق الإنسان بشكل عام، الدكتور المحامي إبراهيم المديميغ المدافع عن أبرز نشطاء حقوق الإنسان ومعتقلي الرأي في السعودية، والأستاذة عزيزة اليوسف الاسم الأبرز في الدفاع عن حقوق المرأة، والأستاذة إيمان النفجان الناشطة والكاتبة البارزة وهي أحد أبرز المنظرات للنشاط النسوي في السعودية، ولجين الهذلول البارزة جدا في ملف قيادة المرأة للسيارة والتي استغلت شهرتها ووظفتها في الدفاع عن حقوق الإنسان، والأستاذ محمد الربيعة. إن هؤلاء يمثلون محاولات التأسيس لمؤسسات المجتمع المدني، وحاولوا تأسيس أعمال منظمة تدفع نحو دولة الحقوق والمؤسسات، والتي كان يمكن بوجودها أن يتغير الكثير، فيعرف العالم الحال على حقيقته، وتفتح النوافذ للتعبير لكل الشرائح، ويبدأ النقد للانتهاكات حتى يتم الحد منها، وتزيد المطالب الحقوقية ويفتح لها الباب، ولكن السلطات قمعتهم بشدة، وحكمت على بعضهم بأحكام قاسية جدا، وتعمدت بشكل ملحوظ من محاولة تشويه سمعتهم في الداخل والخارج، ولمقاومة فعل السلطات هذا، فإن واجبنا الآن هو: تقديمهم للعالم كأبطال، ليعرف قصصهم، ويعرف حجم الظلم والمعاناة في الداخل السعودي، ويخلد التاريخ نضال الأبطال وظلم وبؤس الاستبداد.



القسط لحقوق الإنسان

فولهام، لندن

تابع القسط على تويتر: @ALQST_ORG

مشاركة المقال
ينبغي للدول الامتناع عن التصويت لصالح السعودية في انتخابات مجلس حقوق الإنسان المقبلة في الجمعية العامة للأمم المتحدة
قُبيل انتخابات مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة المقررة في التاسع من أكتوبر في الجمعية العامة للأمم المتحدة، نكتب إليكم لحث وفدكم على الامتناع عن التصويت لصالح السعودية.
تقرير الأمين العام للأمم المتّحدة يسلّط الضوء على الأعمال الانتقاميّة المُرتكبة بحقّ المدافعين عن حقوق الإنسان السعوديّين: دعوات إلى اتخاذ إجراءات متضافرة
في تقريره السنوي الأخير عن الأعمال الانتقاميّة المُرتكبة المقدّم في 17 سبتمبر 2024، لفت الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريس الانتباه إلى المدافعين السعوديّين عن حقوق الإنسان لجين الهذلول ومحمد القحطاني.
على السلطات السعودية الإفراج عن المحتجزين بسبب تعبيرهم عن آرائهم على الإنترنت قبيل انعقاد منتدى حوكمة الإنترنت
يتعين على السعودية إطلاق سراح جميع المحتجزين تعسفيًا لمجرد تعبيرهم عن آرائهم على الإنترنت قبيل استضافة منتدى الأمم المتحدة لحوكمة الإنترنت في الرياض من 15 إلى 19 ديسمبر/كانون الأول 2024