تقريـر سـنوي يصـدر عـن منظمـة القسـط، يصـدر فـي الربـع الأول مـن كل عـام لرصـد أهـم الأحـداث فـي العـام المنصـرم، لتوثيقهـا للباحثيـن والإعامييـن والمنظمـات ومـن يهمـه الاطـاع علـى ملخـص لأهـم الأحـداث المتعلقـة بحالـة حقـوق الإنسـان فـي السـعودية.
التقرير (55 صفحة) يوثق الحالة الحقوقية في السعودية لعام كامل و ويظهر التفاقم في وضع حقوق الإنسان، ويقدم توصيات للمجتمع الدولي والسلطات السعودية وتنادي القسط المجتمـع الدولي بزيادة ضغطه على السلطات السعودية ،وحّثها على اتخـاذ إجـــراءاٍت محددة لتحسين وضع حقوق الإنسان فـي البلاد.
ملخص تنفيذي
أتى عام 2019 بعد عامٍ اشتد فيه القمع على المعارضة السلمية في السعودية، وصل إلى القتل الشنيع للصحفي السعودي جمال خاشقجي والتعذيب الوحشي للمدافِعات عن حقوق الإنسان، وحاولنا في القسط بدأ هذا العام بالمبادرة بالتصدي لهذه التجاوزات بإطلاق حملة تضامن عالمية مع ناشطات حقوق الإنسان السعوديات لمسيرتهن البطولية للإصلاح التي كافأتها السلطات السعودية بالتعذيب والتحرش الجنسي في المعتقل، واخترنا لهذه الحملة وسم StandWithSaudiHeroes # . وسعنا الحملة بعد ذلك لتشمل عددًا أكبر من معتقلي الرأي، وسنستمر بها في عام الجاري.
كان الاتجاه الذي سلكه وضع حقوق الإنسان في السعودية عام 2019 نتاجًا لتبعات جريمة قتل جمال خاشقجي في القنصلية السعودية في إسطنبول يوم 2 أكتوبر 2018 ، فقد سببت تلك الحادثة أكبر أزمة دبلوماسية للسلطات السعودية منذ الهجمات الإرهابية على برجي التجارة العالميين في نيو يورك يوم 11 سبتمبر 2001 . في الشهر الأول ل 2019 ، بادرت المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بعمليات الإعدام خارج نطاق القضاء والإعدام بإجراءات موجزة وتعسفًا أنييس كالامار بفتح تحقيقٍ خاص في مقتل جمال خاشقجي، أشار استنتاجه الذي قدمته لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في يونيو إلى أن جريمة قتل خاشقجي «أشرف عليها وخطط لها وأيدها مسؤولون رفيعون في السعودية »، وأنها تعتقد أن قتله يشكل جريمةً دولية ينبغي على الدول تسعى لمقاضاة دولية، ونادت مجلس حقوق الإنسان أو مجلس الأمن أو الأمين العام للأمم المتحدة بالمطالبة بإجراء تحقيق جنائي فيما جرى.
لكن ذلك لم يثني السلطات السعودية عن الاستمرار في قمعها للأصوات الناقدة، وذلك لاستمرار الدعم والمساندة من القوى الدولية الحليفة. شنّت السلطات السعودية حملات اعتقالٍ جديدة هذا العام استهدفت فيها الصحفيين والنشطاء والمدونين، واستمرت محاكماتُ معتقلي الرأي، مثل محمد العتيبي وعيسى النخيفي، وناشطات حقوق المرأة المتعقلات منذ عام 2018 ، ورجال الدين مثل سلمان العودة وحسن فرحان المالكي، في محاكماتٍ تشوبها انتهاكاتٌ للضمانات الدولية للمحاكمة العادلة. ومن انتهاكاتها لهذا العام هو الحكم على خمسة من أصل 11 فرد متّهمين في جريمة قتل خاشقجي، والحكم على ثلاثة آخرين بالسجن في محاكمة صورية حيث ولي العهد محمد بن سلمان لم يُدرَج اسمه ضمن المتهمين، وكذلك مستشاره سعود القحطاني، وبُرِّئ نائب رئيس الاستخبارات العامة السابق أحمد العسيري تمامًا من أي تورطٍ في الجريمة.
كما واصلت السلطات السعودية انتهاكاتها للقانون الدولي الإنساني وقانون حقوق الإنسان في اليمن، وهذه الانتهاكات قد تكون بمثابة جرائم ضد الإنسانية في حربٍ أدخلت اليمن في أكبر أزمة إنسانية في العالم وتسببت بمقتل أكثر من 100,000 شخص مرتبطين مباشرةً بالصراع.
وتجاوزت السلطات السعودية في 2019 عدد الإعدامات السنوية في الأعوام العشرة الماضية، حيث وصل العدد الكلي 185 فردًا بما في ذلك 37 في إعدامٍ جماعي نُفِّذ يوم 23 أبريل أغلب من أعدم فيه رجال شيعة من المنطقة الشرقية.
من ناحية أخرى قامت السلطات السعودية باستثماراتٍ كبيرة في الرياضة والترفيه كجزءٍ من رؤية 2030 الاقتصادية، وذلك في محاولةٍ منها لتلميع صورة السعودية في الخارج والتعتيم على انتهاكاتها الفظيعة لحقوق الإنسان. وضخت الملايين في حملة علاقات عامة ضخمة لجذب الفعاليات الرياضية الغربية الكبرى إلى المملكة وفتح أبوابها للسياحة الترفيهية.
وقامت السلطات بعددٍ من الإصلاحات السطحية المعنية بتحسين وضع المرأة، بالسماح للنساء بالسفر دونَ إذن ولي الأمر ومنحها سلطة قانونية أكبر على شؤونهن الأسرية، لكن هذه الإصلاحات لا يمكن أن ترصف الطريق للمساواة بين الجنسين في السعودية ما دام نظام ولاية الرجل قائمًا يعيق مشاركة النساء المتساوية في صنع القرار في المجال السيا ?سي والاقتصادي والاجتماعي ويقيد تمتع المرأة بحقوقها، بما في ذلك الحق في الحركة وحقوقها في التعليم والعمل والوصول إلى القضاء والخصوصية والحياة الأسرية.
لكن وكما ذكرنا أعلاه، قابلَت التفاقم في وضع حقوق الإنسان هذا جهودٌ دؤوبَة من النشطاء والمؤسسات الحقوقية السعودية في المهجر إلى جانب المجتمع المدني الدولي، مما أنتج تعبئة غير مسبوقة للمجتمع الدولي أفرزت استنكارًا علنيًا ومطالباتٍ بالمحاسبة على انتهاكات حقوق الإنسان التي ارتكبتها السلطات السعودية، بما في ذلك قرارٌ من البرلمان الأوروبي في فبراير يستنكر بأشد العبارات احتجاز ناشطات حقوق الإنسان البارزات وكل من سجن لنشاطه السلمي من مدافعين عن حقوق الإنسان والصحفيين والمحامين. نادى القرار بمنع بيع الاتحاد الأوروبي تقنيات المراقبة إلى السعودية. وفي يونيو، حكمت محكمة الاستئناف بعدم شرعية قرار الحكومة البريطانية الاستمرار في إصدار التراخيص لبيع المعدات العسكرية إلى السعودية، وفي يوليو مرّر مجلس النواب ومجلس الشيوخ الأمريكي قراراتٍ توقف بيع الأسلحة إلى السعودية لم تُطَبّق نتيجة استخدام الرئيس ترامب حق النقض، وهذان مثالان فقط من بين عدة أمثلة أخرى علَّقت فيها حكوماتٌ بيع الأسلحة إلى السعودية أعقاب جريمة قتل خاشقجي أو بسبب انتهاكات السعودية في الحرب في اليمن.
وفي مبادرةٍ مهمة يوم 7 مارس 2019 قدمت مجموعة من 36 دولة عضوة للأمم المتحدة بقيادة آيسلندا بيانًا مشتركًا أثناء الجلسة الأربعين لمجلس حقوق الإنسان تعبر عن القلق الشديد عن وضع حقوق الإنسان في السعودية، تحديدًا فيما يتعلق بحرية التعبير، مندّدةً بأشد العبارات قتل الصحفي جمال خاشقجي. وفي بيان مشترك آخر قُدِّمَ يوم 25 سبتمبر من 25 دولة عضوة للأمم المتحدة بقيادة أستراليا عبرت فيه عن قلقها حول ملاحقة وتخويف النشطاء وممارسات الإخفاء القسري والاعتقال التعسفي الشائعة والتقارير الواردة عن تعذيب السجناء والمحاكم غير العادلة بالإضافة إلى الإعدام خارج إطار القضاء، ونادى البيان بإنهاء الإفلات من المحاسبة فيما يتعلق جريمة قتل جمال خاشقجي.
وما يبعث بالأمل هو أنّ مبادرات المجتمع الدولي هذه كان لها أثرٌ ملموس في التصدي لانتهاكات السلطات السعودية على حقوق الإنسان، فقد قدمت السلطات تنازلاتٍ مثل الإفراج المؤقت عن أغلب المدافعات عن حقوق الإنسان، وإن كانت المحاكمة مستمرة، بالإضافة إلى تخفيف بعض الأحكام القضائية.
ولأنه من الواضح لنا أن التخاذل والصمت والتواطؤ لن يؤدي إلا لزيادة الانتهاكات، تنادي القسط المجتمع الدولي بزيادة ضغطه على السلطات السعودية، وحثّها على اتخاذ إجراءاتٍ محددة لتحسين وضع حقوق الإنسان في البلاد، كتبنّي محتوى المراجعة الدورية العالمية للسعودية في مارس 2019 التي تشكّل أداةً فعّالة لمراقبة امتثال السلطات السعودية ومساعدتها في تحسين سجلها في حقوق الإنسان. وقد تعهدت السلطات السعودية وقت تبني المراجعة الدورية الشاملة بالمصادقة على المعاهدتين الدوليتين لحقوق الإنسان وضمان المساواة للمرأة واتخاذ إجراءات وقائية لتجنب الاستخدام العشوائي للقوة في اليمن، وحصر تطبيق عقوبة الإعدام على الجرائم الأكثر خطورة، ومراجعة مواد قانون مكافحة الإرهاب التي تسمح بالاحتجاز بمعزل عن العالم الخارجي. يجب على المجتمع الدولي متابعة هذه الالتزامات وضمان تطبيقها الكامل، فالتطبيق الملموس لهذه الإجراءات هو ما سيحدد في النهاية ما إذا كانت السلطات السعودية صادقةً في رغبتها في الإصلاح أو عازمة على الاستمرار في تجاهل بل وانتهاك حقوق مواطنيها في داخل السعودية وخارجها.