بعنوان "بعد أنْ أغلق الستار، اشتدّ القمع" نشرت القسط تقريرها السنوي الجديد اليوم ليسلط الضوء على أهم التطورات الحقوقية في السعودية في عام 2021 ويوثقها ويناقشها.
ملخص تنفيذي
بدأ عام 2021 بضغط دولي شديد على القيادة السعودية لتحسين الوضع الحقوقي المزري في البلاد، فقد تولت السعودية رئاسة مجموعة العشرين في العام السابق واستضافت قمة مجموعة العشرين السنوية، وعملت القسط مع منظمات وجهات غير حكومية صديقة طوال ذاك العام على إبقاء الضوء مسلطًا على انتهاكاتها الحقوقية، لكن ما فاقم مخاوف السلطات السعودية كان تغيّر الإدارة الأمريكية، مع انتصار الرئيس الحالي جو بايدن على الرئيس السابق دونالد ترامب الذي دافع عن القيادة السعودية، لتتدارك ذلك بالشروع بعدد من الإصلاحات الشكلية والتنازلات الحقوقية.
ولكن ما أنْ خفَّت الأضواء والضغط، وتبيّن أنّ وعود الرئاسة الأمريكية الجديدة بإعادة ضبط العلاقات الأمريكية السعودية لن ينتج عنها إلّا إجراءاتٌ رمزية مؤقتة، تشجعت السلطات السعودية للرجوع إلى سابق عهدها، بحملات اعتقال تعسّفي جديدة استهدفت الكتاب والمدونين والنقّاد السلميين، وإنزال أحكام قضائية قاسية على النشطاء، وتعمد تعريض حياة معتقلي الرأي للخطر.
إن كان للتغيير الفعلي والتقدم نحو الاحترام الكامل لحقوق الإنسان والحريات الأساسية في السعودية أن يتحققان، فلا سبيل بديل عن الضغط الدولي المستمر على السلطات السعودية وقائديها، الاسمي: الملك سلمان، والفعلي: ولي العهد محمد بن سلمان.
يتصدى التقرير السنوي للقسط حول الوضع الحقوقي في السعودية لعام 2021 لكل هذه التطورات بإسهابٍ وشموليةٍ، رابطًا إياها بمعلوماتٍ إضافية من مصادر القسط.
تعاني السعودية من فراغ قانوني إثر غياب قوانين أساسية، ومع أنّ ولي العهد أعلن في 8 فبراير 2021 أنّ السلطات السعودية ستقيم قوانين جديدة وتراجع القوانين الموجودة بغاية "تطوير المنظومة التشريعية"، بما في ذلك تطوير نظام الأحوال الشخصية الأول في تاريخ المملكة، ونظام للمعاملات المدنية، ونظام جزائي للعقوبات التعزيرية، ونظام الإثبات، فقد انقضى هذا العام دون أنْ تنشر أيّ تفاصيل عنها.
تزعم السلطات السعودية أن أنظمتها تقوم على الشريعة الإسلامية وفق تفسير مجلس كبار العلماء، الذي يمثل السلطة الدينية الأعلى في المملكة، لتبرر بذلك عدم وضع دستور، الأمر الذي لا يؤدي وظائفه النظام الأساسي للحكم، فهو لا يكرّس الحقوق والحريات الأساسية، ولتبرر عدم وضع نظامٍ جزائيٍّ، لينوب عنه بدل ذلك تشريعات تفسيرها خاضع لتصرف القضاة التابعين للسلطات، ما يعني أن التعريف النظامي للجرائم وتحديد عقوباتها وشدتها خاضع لتصرف القضاة وتفسيرهم للشريعة الإسلامية، ما يتيح لهم حرية تصنيف شتى الأعمال كجرائم بأثرٍ رجعي ودون سند قانوني واضحٍ موضوع نصًّا.
والقصور في هذه الأنظمة تعوضه في الممارسة التشريعاتُ الاستثنائية، مثل نظامي مكافحة الإرهاب والجرائم المعلوماتية، إذ توظف السلطات بنودهما الفضفاضة والمبهمة لتشمل طيفًا واسعًا من الجنايات.
وفي 2021 واصلت السلطات السعودية سير موجات الاعتقال التعسفيّ على خلفية الممارسة السلمية للحق في التعبير عن الرأي وغيره من الحقوق الأساسية، وبعد أنْ خلصت من استهداف الشخصيات البارزة والمعروفة، وانتهى أغلبهم خلف القضبان، اتجهت قبضة القمع هذا العام إلى الشباب والشخصيات غير البارزة، من نشطاء ومدونين شباب وأهالي معتقلين، واستمر تدفق الأخبار عن اعتقالاتٍ حدثت في السنوات السابقة راح ضحيتها كتّابٌ وأكاديميون وشخصيات دينية ومدافعون عن حقوق الإنسان، بل وحتى مسؤولون حكوميون وأعضاء العائلة المالكة، والعديد منهم ما زال محتجزًا دون تهمة أو يقضي حكمًا بالسجن بعد محاكمة جائرة، وهذا التأخير في ورود الأخبار يعكس صعوبةً أعمّ في الوصول للمعلومة الموثوقة من الميدان، ولهذا فمن المستحيل الإحاطة الشاملة بعدد الاعتقالات، ما يعني أنّ ما يتطرق له هذا التقرير من اعتقالات – وغيرها من الانتهاكات – لا يمثل على الأرجح إلا غيضًا من فيض.
وحتى ما ساهم فيه الضغط الدولي من إفراج عن العشرات من معتقلي الرأي في 2021، إفراجًا مؤقتًا أو بعد انقضاء المحكومية، فذلك كان بشروطٍ قاسية مثل منع السفر والعمل والنشاط على شبكات التواصل الاجتماعي، ومن حالات الإفراج المشروط هذا العام خمسُ مدافعات عن حقوق الإنسان، وثلاثة عشر ناشطٍ أفرج عنهم بعد سنتين من الاعتقال، وشابّين كانا يواجهان حكم الإعدام، وثلاثة آخرين أفرج عنهم دون تهمة بعد عدة أشهر من الاحتجاز، وكافة هؤلاء فرضت عليهم قيودٌ غليظة بعد الإفراج، منها محاكماتٌ مستمرة بدعاوى معنية بنشاطهم السلمي، وشروط ملاحظة فجة تجعلهم عرضة لإعادة الاعتقال، ومنع من السفر مطول طال أهاليهم في بعض الحالات.
كانت قضية قتل موسى القرني في أكتوبر 2021 ومحاولة قتل المدافع عن حقوق الإنسان المعتقل خالد العمير دالّتين على خطورة ظروف احتجاز معتقلي الرأي، ورغم فرادة ما يعانون منه فالظروف العامة التي يقاسيها عموم المساجين في السجون السعودية ليست أفضل حالًا بكثيرٍ، باكتظاظٍ شديدٍ ومعايير نظافة متدنية وانحسار الإجراءات الهادفة للحد من انتشار كوفيد-19، فما يعاني منه معتقلو الرأي – أي: أولئك المحتجزين تعسّفيًا على خلفية نشاطهم الحقوقي، أو دعوتهم للإصلاح، أو تعبيرهم عن آراء سياسية أو دينية لا تقبلها السلطات – تضاف إليه المعاملة القاسية وغير الإنسانية والمهينة وراء القبضان دون إمكانية للجوء إلى القضاء، ما مكَّن الإهمال الطبي والإداري المتعمد، المدفوع بنوايا انتقامية، وأدى إلى عددٍ من الوفيات في السجن في الأعوام الماضية، مثل وفاة رمز الدفاع عن حقوق الإنسان في السعودية عبدالله الحامد في أبريل 2020، وشهد هذا العام تصعيدًا في انتهاج هذا الأسلوب بتعمّد السلطات تعريض حياة عددٍ من المساجين للخطر، وإنْ كان ما ورد من أخبار يثير المخاوف فما يزيدها هو استمرار ممارسة الإخفاء القسري للعديد من حديثي الاعتقال.
وبعد فترة سكونٍ نسبيٍّ للإجراءات القضائية في 2020 في ظل أوضاع الجائحة، عادت سير المحاكمات الجائرة على العديد من المساجين ومعتقلي الرأي، بإجراءات لا تفي المعايير الدولية لضمانات المحاكمة العادلة، وتشوبها انتهاكاتٌ روتينية مثل الحرمان من التمثيل القانوني ومن الحصول على الوثائق القضائية، والتأخير دون مبرر، وجلسات المحاكمة السرية، ولكن هذا الاستهتار بالضمانات القانونية لا تختص به المحكمة الجزائية المتخصصة، التي أنشئت في 2008 باختصاص في قضايا الإرهاب، بل تشاركها فيه المحكمات الجزائية العادية، ففي 2021 أُنزِلتvمحكوميات طويلة بالسجن على عدد من النشطاء والنقّاد السلميين إثر ممارستهم حقوقهم الأساسية، منها الحكم على موظف الهلال الأحمر عبدالرحمن السدحان بالسجن لمدة 20 سنة، والتصديق على أحكام آخرين وزيادة مدد أحكام غيرهم بعد الاستئناف، مثل ما حصل للمدافع عن حقوق الإنسان محمد العتيبي الذي مددت محكوميته لتبلغ 17 سنةً إجمالية في السجن، وفي إحدى المحاكمات السياسية، أنزلت أحكامٌ بالسجن مددها تتراوح بين ستة أشهر و22 سنة على عشرات من المقيمين الفلسطينيين والأردنيين في السعودية، وما زالت العديد من المحاكمات مستمرة.
أعدمت السلطات السعودية 67 فردًا في عام 2021، أي ما يتجاوز ضعف حالات الإعدام لعام 2020، وإنْ كان ذلك أقلّ من كلّ عامٍ قبله منذ تولي الملك سلمان العرش في يناير 2015، ولأول مرة منذ عدة سنوات لم تنفذ أي أحكام بالقتل على خلفية جنايات معنية بالمخدرات حصرًا، ولكن ما لا يبشر بالخير هو التناقض المستمر بين أفعال السلطات وأقوالها، فبعد إعلانها إلغاء حكم الإعدام على الأحداث، نفّذت في يونيو 2021 حكم الإعدام بحق شابٍّ على خلفية جنايات يزعم ارتكابه إياها عندما كان عمره 17 عامًا، وما زال عشراتٌ آخرون يوجهون خطر الإعدام.
وفي استمرارية لموجات التهجير القسري في 2021 قامت السلطات بالمصادرة غير القانونية لأراضي مئاتٍ من السكّان بذريعة التطوير، أبرزها ما فعلته في نوفمبر من هدم حيٍّ كامل في مدينة جدة.
وفي 8 فبراير 2021 أعلن ولي العهد محمد بن سلمان أن السلطات ستضع قوانين جديدة مع نهاية العام، منها نظام الأحوال الشخصية الأول في تاريخ المملكة، لكن لم تلحق ذلك أي تفاصيل، ففي غياب أيّ قانون أسرة حاليًّا، تخضع القضايا العائلية إلى تقدير القضاة، الذين يكثر انحيازهم ضدّ النساء وحكمهم ضدّهن، وكانت الإصلاحات الأخيرة المعلن أنها ستحسّن من أوضاع النساء مثالًا آخر لمنهج البهرجة الإعلامية حول الإصلاح دون خطواتٍ جادّة، فقد اختتم عام 2021 ونظام الولاية الظالم ما زال قائمًا ورفع يد التحكم الذكوري عن النساء هدفٌ بعيد المنال.
والنهج التعسفي يمسّ حقوق المثليّات والمثليين ومزدوجي الميول والعابرين والعابرات (مجتمع الميم)، فهم عرضة للسجن والجلد وحتى الإعدام لتعبيرهم عن ميولهم الجنسية أو هويتهم الجندرية، وليس في الأنظمة السعودية نصوص معنية بحقوق مجتمع الميم، ما يترك أوضاعهم القضائية في تقدير القضاة، وفي ديسمبر 2021 رفضت السلطات السعودية مسودة للمجلس العمومي للأمم المتحدة دعت كافة الدول للعمل على إلغاء القوانين والممارسات التمييزية، بما فيها تلك المستندة إلى الميول الجنسية والهوية الجندرية، وتحدثت شخصيات شهيرة ومعروفة دُعِيت إلى المملكة عن افتقار البلاد لحقوق مجتمع الميم، ففي ديسمبر 2021 أعلن نجم فورمولا 1 لويس هاملتون أنه لم يطمئن للمشاركة في جائزة السعودية الكبرى في ضوء اضطهاد مجتمع الميم هناك.
وأما أوضاع الأشخاص عديمي الجنسية في السعودية، المعروفين بمسمى البدون، وتقدر أعدادهم ما بين 70 و250 ألفَ نسمة، فالصعوبات التي تحد حياتهم من كل جانب لم تتغير خلال هذا العام، مؤثرةً على كافة مراحل حياتهم ومختلف أوجهها، من التعليم والرعاية الصحية وحتى العمل والحياة العائلية، وبدل من إصلاح أوضاعهم أعلنت السلطات السعودية في نوفمبر 2021 أنها ستجنّس عددًا غير محدد من المقيمين الأجانب من ذوي "الكفاءات"، دونْ أنْ يشمل ذلك البدون رغم صلتهم وإقامتهم القديمة في البلاد، وهي وطنهم الذي لا يعرفون سواه.
وحال أغلبية المقيمين ليست أفضل بكثير، فالعمالة الوافدة التي تشكّل قرابة ثلث سكّان البلاد تقاسي ظروف هشاشة لم تغير في أسسها الإصلاحات المحدودة التي قدمتها السلطات السعودية في مارس 2021 على نظام الكفالة سيء السمعة، الذي يضع العامل الوافد في المملكة في حالة التابع لمواطنٍ يتصرف ككفيلٍ له، ولا تقف المشكلة عند بقاء نظام الكفالة ككل بل حتى الإصلاحات الجديدة تتخللها ثغرات قانونية واستثناءات معتبرة الحجم، مثل تغاضيها عن أوضاع ملايين العاملات المنزليات.
وانتهاكات السلطات السعودية استمرت خارج حدود سيادتها مثلما في داخلها، وذلك مع دخول الحرب في اليمن سنتها السابعة، حيث تواصل القتال بتصعيد عسكري كبير في محافظة مأرب في فبراير 2021، وارتكبت أطراف الحرب انتهاكاتٍ جسيمة، منها هجمات عشوائية على مناطق مدنية من قوّات الحوثي، وهجمات جوية عشوائية من التحالف بقيادة السعودية، وكان من العار على مجلس حقوق الإنسان للأمم المتحدة أن صوّت في أكتوبر ضدّ تجديد الآلية الدولية الوحيدة للتحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان في الصراع في اليمن، إثر ضغطٍ شديدٍ من السعودية وحلفائها، مع استمرار تدفق الأسلحة لها من الحكومات الغربية.
وبدأ هذا العام مع ضغط دولي شديد على السلطات السعودية لتحسين سجلها الحقوقي المزري، بعد تزايد التركيز الدولي على المملكة أثناء رئاستها مجموعة العشرين في عام 2020، ومع تعهد الإدارة الأمريكية الجديدة باتخاذ موقفٍ أشدّ تجاه الرياض، ومع أنّ الوعود بتغيير في العلاقات الأمريكية السعودية لم تتحقق، فقد اتخذت بعض الخطوات الإيجابية تجاه السلطات السعودية دوليًّا، منها قرارٌ قويٌّ مرره البرلمان الأوروبي حول حقوق الإنسان، ليأتي نصف العام بالكشف عن عمليات تجسس واسعة على فاعلين في المجتمع الدولي باستخدام منظومة بيغاسوس للتجسس، ما أدى لإجراءات ضدّ الجهة الصانعة، مجموعة "إن إس أو" الإسرائيلية، وفي مقابل ذلك، وبدلًا من تحسين الوضع الحقوقي، واصلت السلطات السعودية استراتيجية العلاقات العامة نفسها في عام 2021 باستثمارٍ كبيرٍ في الفعاليات الرياضية والموسيقية الدولية، لتواجه في بعض الحالات ردود فعلٍ لسبية.