أصدرت القسط اليوم نتائج دراسة استقصائيّة سريّة حول المواطنين السعوديّين في المهجر بعنوان "المغتربون السعوديّون: مجتمع متنامٍ من المهاجرين واللاجئين". يتناول هذا التقرير الرائد، المدعم بأقوال كثيرة، الأسباب التي تدفع أعدادًا متزايدة من السعوديين إلى الفرار من بلادهم الغنيّة، والتحديّات المستمرّة التي يواجهونها أثناء العيش في الخارج، ومن بينها المراقبة الإلكترونيّة والمضايقات عبر الإنترنت التي تمارسها السلطات السعوديّة.
ووفقًا لبيانات مفوضيّة الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، شهد عدد السعوديين الفارين من بلادهم والطالبين اللجوء في الخارج زيادة كبيرة خلال العقد الماضي، وهي الفترة التي شهدت أيضًا زيادة ملحوظة في الاستبداد وفقدان الحريّة في السعوديّة.
وقد شارك في دراسة القسط الاستقصائيّة، التي أُجريت في أوائل العام 2024، مجموعة متنوعة من الأفراد تعكس التنوع الديموغرافي للسعوديّة نفسها. كما وقد حدّدت نسبة عالية (46%) أنفسهم على أنهم لاجئون أو طالبي لجوء. وقد غادر المستجيبون السعوديّة لأسباب متنوعة، لكنّ أكثر الأسباب التي تكرّر ذكرها كانت انعدام الحريّة السياسيّة (63%) أو الحريّة الدينية (49%) والشعور بالضعف بسبب نشاطهم أو نشاط أفراد عائلاتهم، أو بسبب توجّههم الجنسي. كما ذكرت نسبة مرتفعة بشكل مفاجئ العنف الأسري (25%) ، حيث كان فشل النظام السعودي في توفير الحماية هو العامل الذي دفع بالضحايا إلى اللجوء إلى الخارج بحثًا عن الأمان. وقد اعتقدت الغالبيّة العظمى (93.5%) أنهم لن يكونوا آمنين إذا ما عادوا إلى السعوديّة، حتى ولو قدّمت لهم السلطات ضمانات بالسلامة.
"أنا متأكّدة أنني لن أشعر بالأمان هناك. ربما لن يتم اعتقالي، لكنني سأشعر بالتهديد والضعف باستمرار، مع فرض قيود على حريّتي".
وعند سؤالهم عن الصعوبات التي واجهوها في العيش بالخارج، سواء في حياتهم الشخصيّة أو فيما يتعلّق بوضعهم القانوني وآفاق حياتهم المهنيّة، كانت المشاكل المتعلّقة بالمال والوظائف والمسكن هي أكثر المشاكل التي تكرّر ذكرها. ومع ذلك، شكّلت المراقبة الإلكترونيّة (44%) والمضايقات من المتصيّدين عبر الإنترنت (34%) قضايا مهمّة للعديد من السعوديّين المقيمين في المهجر. وأفاد ثلث جميع المستجيبين حالات الصحّة العقليّة بما في ذلك الاكتئاب والقلق واضطراب ما بعد الصدمة.
"قيل لي أنّ اسمي مدرج على قائمة ’المطلوبين‘، والسلطات تواصل اختراق هاتفي".
كما وقد تسبّب استخدام السعودية والإمارات العربيّة المتحدة لبرنامج التجسس بيغاسوس لمراقبة مواطنيهما سرًّا داخل البلاد وخارجها، ومن بينهم مؤسّس منظّمة القسط، يحيى العسيري، في فضيحة عندما تم الكشف عنه لأوّل مرّة في عام 2021، ولكن من الواضح أن هذه الممارسة أكثر انتشارًا مما كان يُعتقد سابقًا.
وقد علّقت رئيسة قسم الرصد والمناصرة في القسط، لينا الهذلول، قائلة: "إنها صدمة أن نعلم أن العديد من السعوديين المقيمين في المهجر يتعرّضون للمراقبة الإلكترونيّة والتصيّد عبر الإنترنت، حتى في السلامة النسبية للبلدان المضيفة لهم. ويجب على الحكومات أن تأخذ قضية القمع العابر للحدود الوطنيّة على محمل الجد أكثر مما تفعل في الوقت الحالي".
فقد قال أكثر من نصف المشاركين في الدراسة الاستقصائيّة بأنهم لا يعتزمون العودة إلى بلدهم الأم، ويرجع ذلك في الغالب إلى مخاوف تتعلّق بالسلامة الشخصيّة، والخوف وعدم الثقة بالحكومة السعوديّة الحاليّة، والافتقار الملحوظ إلى الحماية القانونيّة للنساء والمثليين والمثليّات وثنائيي الميل والعابرين والعابرات. وتمثّلت التغييرات التي يرغب السعوديّون في المهجر رؤيتها أكثر من غيرها في الحريّة السياسيّة/الديمقراطيّة (91%) وتحسين فرص العمل وحقوق العمّال (68%) والمساواة بين الجنسين (54%) وقبول مجتمع الميم (41%).
"المواطن هو أقل اهتمامات الحكومة... ففي فهمهم الاستبدادي، ليس للمواطنين أي حقوق".
وبالتالي فإنّ نتائج الدراسة الاستقصائيّة تعزّز بشكل كبير دعوات القسط المتكرّرة لإجراء إصلاحات شاملة وضمانات الحقوق الأساسيّة لجميع المواطنين والمقيمين السعوديّين دون تمييز. يقترح التقرير أيضًا إجراءات يمكن للبلدان المضيفة والمجتمع الدولي اتخاذها لدعم السعوديين في المهجر ورغبتهم في الإصلاحات الداخليّة، بما في ذلك:
- حماية السعوديّين الذين يطلبون اللجوء أو المعرضين لخطر الترحيل، وأخذ ادعاءات التهديدات لسلامتهم على محمل الجد؛
- معالجة القمع العابر للحدود الوطنيّة الذي يتّخذ شكل المراقبة الإلكترونيّة والتسلّط عبر الإنترنت؛
ولمعالجة الأسباب الجذريّة التي تدفع بالسعوديّين إلى الفرار من بلادهم:
- تعزيز ودعم عمل الجمعيّات المدنيّة للمهاجرين السعوديّين ومنظّمات حقوق الإنسان مثل القسط، والاستماع إلى مناصريها في الأمم المتحدة ومع الحكومات والبرلمانات في كلّ مكان.
ملاحظة حول المنهجيّة
يستند هذا التقرير إلى نتائج دراسة استقصائيّة سريّة عبر الإنترنت صمّمتها منظّمة القسط في أواخر عام 2023 وتم توزيعها بشكل خاص في أوائل عام 2024 على شبكة واسعة من المواطنين السعوديين والمقيمين السابقين لفترة طويلة في السعوديّة الذين يعيشون الآن في المهجر. لكي يكون المشاركون مؤهّلين للمشاركة، يجب أن يكون عمرهم 18 عامًا على الأقل، وأن يكونوا مواطنين سعوديّين أو مقيمين في المهجر، وأن يشعروا بعدم الأمان للعودة إلى السعوديّة. وقد تمت إدارة الدراسة الاستقصائيّة ومعالجة الاستجابات باللغتين العربيّة والإنجليزيّة، مع إمكانية المشاركة باللغة التي يفضلها المستجيبون. وقد استجاب ما مجموعه 100 فردًا للدراسة الاستقصائيّة من أصل أكثر من 200 شخص تم الاتصال بهم، وأكمل 67 منهم - 57 مواطنًا سعوديًا وخمسة مقيمين سابقين لفترة طويلة، والباقي غير محدد - الدراسة جزئيًا أو كليًا.
وعلى الرغم من أنّ حجم عيّنة الدراسة الاستقصائيّة كان صغيرًا نسبيًّا، إلا أنّ معدل الاستجابة كان مثيرًا للإعجاب، خاصّة إذا أخذ المرء في الاعتبار المخاطر المتصوّرة المترتّبة على المشاركة. وقد أشار بعض الذين رفضوا المشاركة، عند سؤالهم عن السبب، إلى مخاوف تتعلّق بالأمن الرقمي وخشية من أن تقع بياناتهم الشخصيّة في أيدي السلطات السعوديّة، والتي قد تعاقبهم بعد ذلك بطريقة ما، أو تعتقل أفراد عائلاتهم الذين لا يزالون يعيشون في المملكة بشكل تعسّفي، أو تحظرهم من السفر إلى الخارج. وفي ضوء هذه الخلفيّة، أخذ باحثو القسط مسؤوليّاتهم الأخلاقيّة على محمل الجد فيما يتعلق بعمليّات الخصوصيّة وحماية البيانات الخاصّة بهم، وأيضًا في تواصلهم مع المشاركين في كل مرحلة، وفي صياغة الاستبيان.