قامت السلطات السعودية باعتقال عدد من النشطاء قبيل بدأ رمضان بيوم واحد فقط، وشنت السلطات حملات دهم وتفتيش طالت منازل النشطاء، تم على إثرها اعتقالهم تعسفيًا بطريقة تعمدت فيها السلطات إذلال المعتقلين وترويع أهاليهم في منازلهم. حيث اعتقلت السلطات السعودية كلا من الدكتور إبراهيم المديميغ والأستاذة إيمان النفجان والأستاذة عزيزة اليوسف والناشطة البارزة لجين الهذلول والناشط محمد الربيعة والدكتورة عائشة المانع والناشطة مديحة العجروش وآخرون.
فعند الساعة 2.30 مساء من يوم الثلاثاء 15 مايو، قامت قوة سعودية بمداهمة منزل الناشطة الحقوقية البارزة لجين الهذلول، ثم تم اعتقالها من غرفة نومها واقتيادها إلى سجن الحائر السياسي قبل نقلها إلى جدة. لجين سبق وتم اعتقالها في 30 نوفمبر/تشرين الثاني عندما قادت سيارتها إلى الحدود السعودية قادمة من أبو ظبي، حيث كانت السلطات تعتقل من تقود سيارتها بتهمة "القيادة دون حمل رخصة قيادة"، إلا أن السلطات السعودية وقعت مع دول مجلس التعاون الخليجي اتفاقية تسمح باستخدام رخصة القيادة الصادرة من أي بلد خليجي في البلدان الخليجية الأخرى، فحاولت لجين عبور الحدود إلى المملكة العربية السعودية مستخدمة رخصة قيادة صادرة من الإمارات، فلم تكن حينها ترتكب أية مخالفة، إلا أن السلطات احتجزتها عند المعبر الحدودي في سيارتها طوال الليل. وفي صباح اليوم التالي تم اعتقالها برفقة ناشطة سعودية أخرى "ميساء العمودي"، ثم تم إحالة قضيتها فيما بعد إلى المحكمة الجزائية المتخصصة المختصة بشؤون الإرهاب بتهمة "نشر ما من شأنه تشويه سمعة السلطات"، السلطات السعودية وتحت ضغوط دولية أفرجت عن الهذلول بعد مرور 73 يوما في السجن ولكن دون أن تغلق ملف القضية.
وفي 27 من فبراير الماضي حضرت لجين الهذلول في جنيف الدورة التاسعة والستون للجنة المعنية بالقضاء على التمييز ضد المرأة الناتجة عن اتفاقية سيداو لتعود إلى البلاد في 12 مارس الماضي وتحتجز في المطار، ثم تتم إحالتها إلى سجن الحائر بالرياض لمدة ثلاثة أيام، ثم تم منعها من السفر بعد ذلك وإيقافها عن المشاركة في وسائل التواصل الاجتماعي وتعطيلها عن إكمال مرحلة الماجستير في الإمارات العربية المتحدة.
وعند قرابة الثالثة مساء من نفس اليوم تم اعتقال الناشط محمد الربيعة والذي قد تمت ملاحقته من قبل بسبب دعمه لقيادة المرأة للسيارة. واعتقلت الناشطة مديحة العجروش المختصة في التحليل النفسي، العجروش تقدم من خلال عيادتها المساعدة في العلاج النفسي لعدد من ضحايا التعنيف وكذلك الأطفال اللاجئين في المخيمات في لبنان والأردن، وشاركت العجروش بشكل فاعل في المطالبة بحقوق المرأة وبمساعدة الضحايا.
واعتقلت أيضًا المدونة والناشطة الشهيرة إيمان النفجان خريجة جامعة برمنغهام، النفجان ناشطة بارزة في الدفاع عن حقوق المرأة وحقوق الإنسان بشكل عام.
وفي الوقت ذاته اعتقلت السلطات الناشطة الأبرز في الدفاع عن حقوق المرأة الأستاذة عزيزة اليوسف، اليوسف هي أستاذة في جامعة الملك سعود وناشطة حقوقية بارزة، وكانت من أولى المطالبين بقيادة المرأة للسيارة، ونشطت بشكل بارز في الدفاع عن حقوق المرأة وحقوق العمال والحقوق المدنية والسياسية، وحاولت إنشاء دار لحماية ضحايا التعنيف وكذلك الفتيات اللاتي لا يتم استلامهن من دار الرعاية إلا أن السلطات قابلت طلبها بالرفض، وازداد التضييق على الأستاذة اليوسف وتكثفت الاستدعاءات والتحقيق معها طوال العام المنصرم، ومنعتها السلطات من التعليق على الأمر الملكي الذي يسمح للمرأة بقيادة السيارة، وهو الأمر الذي فعلته مع جميع ناشطات حقوق المرأة، في حين أوعزت السلطات لعدد من السيدات المقربات من السلطة بشكر السلطات، وأوكل الأمر لسيدات كن يرفض حملات المطالبة بالسماح بقيادة المرأة، واستمر الضغط على الناشطات وفي مقدمتهن الأستاذة اليوسف حتى توقفت عن التغريد على حسابها في موقع تويتر منذ سبتمبر 2017. وفي يوم الخميس 17 مايو اتصل صحفي سعودي بمسؤول بالديوان الملكي ليسأله عن سبب اعتقال الأستاذة اليوسف فكان رد المسؤول: "لكي يعلموا ألا أحد يستطيع لي ذراع السلطة"، وذلك في إشارة إلى أن الاعتقال هو انتقام السلطات السعودية التي من المقرر أن تسمح بقيادة المرأة للسيارة في 24 يوليو المقبل بعد ضغوط شديدة اضطرت السلطات للرضوخ لها. كما اعتقل الدكتور إبراهيم المديميغ في ذات الوقت، المديميغ الذي عمل سابقًا كعضو في هيئة الخبراء التابعة لمجلس الوزراء السعودي، وهو المحام الأبرز في السعودية والأكثر شهرة، وقد من تولى الدفاع عن القضايا الأكثر حساسية في البلاد ودون مقابل لذلك، فترافع المديميغ عن عدد من أعضاء جمعية الحقوق المدنية والسياسية حسم، ودافع عن الناشط الحقوقي وليد أبوالخير، ومحمد العتيبي وعبدالله العطاوي وعصام كوشك و عيسى النخيفي وعدد كبير من سجناء الرأي الآخرون، المديميغ له مواقف رافضة للجرائم الإسرائيلية بحق الشعب الفلسطيني وهذا -بالإضافة إلى مواقفه الحقوقية الأخرى- ما جعل السلطات ترغمه على إغلاق حسابه على موقع التواصل الاجتماعي تويتر منذ نوفمبر 2017. وفي الخامس من هذا الشهر توجه المديميغ للمطار ليستكمل رحلة علاجية خارج المملكة إلا أنه تفاجئ بأنه ممنوع من السفر، وعند محاولته الاستفسار عن سبب منعه من السفر قوبل بالإساءة له والتهديد بالاعتقال بسبب سؤاله عن سبب منعه من السفر، وبقي تحت التضييق والتهديد حتى تم اعتقاله يوم الثلاثاء الماضي.
واعتقلت السلطات الدكتورة عائشة المانع، عميدة كلية المانع، وهي أحد أقدم النساء المطالبات بحقوق المرأة، ومشاركة في حملة 1990، ومؤلفة كتاب "السادس من نوفمبر" الذي يؤرخ للحملة التي قادت فيها المانع سيارتها عام 1990 مع عدد من السيدات، حيث تعرضن للسجن والقمع وتشويه السمعة من قبل السلطات، لتعود السلطات وتمارس الدور ذاته مع عائشة المانع وذلك بعد مرور قرابة 28 عامًا. وقد تحفظت القسط على المعلومات وتوقفت عن الإعلان نظرًا لأن السلطات السعودية قد تعهدت بأن تفرج عن المعتقلين خلال يوم أو يومين، وقالت أن الاعتقال هو للتحقيق فقط، إلا أن السلطات السعودية تحاول إصمات المجتمع الدولي بإعطاء معلومات مغلوطة، ووعود لا تلتزم بها، حتى يصمت العالم عن انتهاكاتها، وبعدها تقوم بنشر ما يشوه سمعة المعتقلين كما فعلت السلطات السعودية يوم أمس 19 مايو، حيث أعلنت السلطات القبض على مجموعة تتواصل بالسفارات الأجنبية والمنظمات الحقوقية بهدف تشويه سمعة المملكة، وذلك في إشارة واضحة إلى الضغوط التي مورست على السلطات السعودية للسماح بقيادة المرأة للسيارة.
وقد قالت السلطات السعودية أنها اعتقلت 7 أشخاص من بينهم عبدالعزيز محمد المشعل، والذي لم تتأكد القسط من اعتقاله، بالإضافة إلى إبراهيم المديميغ وعزيزة اليوسف وإيمان النفجان ولجين الهذلول ومحمد الربيعة وشخص سابع لم تذكر اسمه، كما لم تذكر السلطات السعودية اسمي الدكتورة عائشة المانع و مديحة العجروش. إن السلطات السعودية، وفي الوقت الذي تروج لنفسها بأنها سلطات إصلاحية ومنفتحة، إلا أنها على أرض الواقع تمارس أسوأ حملات قمع وترهيب مرت بها البلاد، وفي حين أنها تفاخر أمام العالم بالسماح بقيادة المرأة للسيارة، إلا أنها الآن تعتقل تعسفيا ناشطات وناشطين حملة القيادة، وتدهم منازلهم وتنتهك حقوقهم في انتقام منهم بسبب ضغطهم للحصول على هذا الحق، كما لا يزال في السجون من طالبوا بالسماح بقيادة المرأة للسيارة و حوكموا بسبب ذلك كالدكتور محمد فهد القحطاني عضو جمعية حسم، والناشط الحقوقي وليد أبو الخير، والصحفي علاء برنجي.
إن ما تقوم به السلطات هي حملات ترويج دعائية في الخارج، متزامنة مع حملات قمع وإصمات في الداخل تطال الجميع، يدل بشكل قاطع أن السلطات غير جادة في الإصلاح، وأن كل ماتدعيه هو للدعاية. وهنا يأتي الدور لكشف هذا القمع الرهيب، وتحذير العالم من الوقوع في تصديق الدعايات السعودية، والتأكيد على أن العمل الحقوقي عمل مشروع لا يستحق العقاب، وأن التهم الموجهة للنشطاء جميعها تهم باطلة يجب أن تسقط حالًا، وأن يتم الإفراج عن جميع معتقلي الرأي دون تأخير ودون قيد أو شرط.