تتلقى القسط العديد من التقارير حول سوء معاملة المحتجزين في السجون السعودية، ورفض العديد من المحاكم الأمر بإجراء تحقيقات في ادعاءات التعذيب.
أحد القضايا التي وردت للقسط مؤخرًا، بعدد من وثائقها القضائية ومراسلاتها القانونية، متعلقة بما تعرض له المواطن المغربي عبد الله المسكي. ما زال المسكي يطالب بالعدالة ورد الاعتبار عما وصفه بالاعتقال والاحتجاز غير المشروع والتعذيب على يد المباحث في السعودية، إذ يقول إن ما تعرض له أدى لتدهور حالته الصحية والمعيشية.
تكشف قضية المسكي عن حرمان المحتجزين في السعودية من العدالة، فبدون إجراء التحقيقات، لا يمكن محاسبة المتورطين أو توفير ما يستحقه الضحايا من عدالة ورد اعتبار وتعويض وفق ما ينص القانون الدولي.
تفاصيل القضية
اعتقُل عبد الله المسكي، وهو مواطن مغربي، حال وصوله مطار جدة الدولي في أغسطس 2009 واحتجز للتحقيق لثلاث سنوات ونصف في عددٍ من سجون المباحث. حوكم المسكي أمام المحكمة الجزائية المتخصصة، التي أسست للتحقيق في قضايا الإرهاب، بتهمة الانتماء لتنظيم القاعدة، والتآمر مع قياديي التنظيم في السعودية في أواخر التسعينات وأوائل الألفية الجديدة.
في مايو 2012، أسقطت المحكمة هذه التهم لعدم وجود أدلة عليها ولأن المُتَّهم لم يتركب أي جريمة في أو ضد السعودية. أُبعِد المسكي إلى المغرب بعد سبعة أشهر بأمر من وزير الداخلية. أيدت محكمة الاستئناف الجزائية المتخصصة قرار المحكمة الأولي في أغسطس 2014 رغم اعتراض المدعي العام.
في أبريل 2016، قدم المسكي شكوى ضد المباحث، وهي تابعة لوزارة الداخلية، مطالبًا بالتعويض عن الأضرار. بالإضافة إلى احتجازه التعسفي لأكثر من 42 شهرًا، قال المسكي إنه تعرض للتحقيق طوال ساعات النهار والليل تحت الإنارة القوية، وتعرض للحرمان من النوم، وأجبر على الوقوف لساعات طويلة، واحتجز في الحبس الانفرادي لعدة أشهر، وحرم من التواصل مع أسرته أو قنصلية المغرب في جدة، وتعرض للإطعام القسري—حتى أدمى فمه وأنفه حسب قوله—عندما أضرب عن الطعام لأربعين يومًا، وحرم لمدة سنتين من علاج ضروري لأمراض القلب وغيرها من المشاكل الصحية. كان عمر المسكي حين قدم الشكوى 47 عامًا، وأشار وقتها إنه ما زال يعاني من الآثار الجسدية والنفسية والاقتصادية للاحتجاز وسوء المعاملة في سجون السعودية. حين قدم عددًا من هذه الادعاءات أثناء محاكمته، وطالب بالتعويض عما تعرض له من تعذيب نفسي وجسدي في السجن، تجاهل القاضي هذه الادعاءات ولم يأمر بالتحقيق فيها.
رغم أن المحاكم السعودية لم تجد أسبابًا كافية لتوجيه تهم متعلقة بالإرهاب ضده، فقد سُمِح للمدعي العام بعد ذلك برفع قضية أخرى أثناء التحقيقات ضد المسكي بتهمة الشراء غير المشروع لتصاريح إقامة سعودية مقابل 60 ألف درهم مغربي في المغرب. شكل ذلك عقبة في الدعوى التي رفعها للمطالبة بالتعويضات: قالت وزارة الداخلية إن الدعوى لا يمكن البت فيها إلا عند الانتهاء من قضية تصاريح الإقامة. يصر المسكي على أن إسقاط المحكمة التهم الأصلية، وطرده دون رفع تهم أخرى رغم اعترافه بشراء تصريحين إقامة، هو دليلٌ على عدم وجد قضية أخرى للبت فيها.
تستنكر القسط مجريات هذه القضية وغيرها من القضايا التي تصلنا عن الاعتقال التعسفي وغير المشروع والاحتجاز المطول من قبل السلطات السعودية، ورفض القضاة السعوديين الأمر بإجراء تحقيقات في التعذيب وسوء المعاملة.
تذكّر القسط السلطات السعودية بالتزاماتها باتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة (التي انضمت إليها السعودية في 1997)، فيجب عليها إنهاء سوء معاملة المساجين، والتحقيق في كل ادعاءات التعذيب أو سوء المعاملة، ومحاسبة المتورطين، ورد الاعتبار والتعويض للضحايا.
تطالب القسط بفرض رقابة من جهات وأخصائيين مستقلين على السجون السعودية وتحديدًا تلك الخاضعة لإدارة المباحث، والعمل على دراسة تقاريرهم وتطبيق التوصيات.