لا تزال السلطات السعودية تحكم قبضتها على وسائل التواصل وتحارب حرية التعبير عن الرأي كما لو أنه عمل إرهابي، ولا تزال تربط بين التعبير السلمي عن الرأي والعنف، كما تربط بين مطالب الإصلاح أو الدفاع عن حقوق الإنسان والعنف، وهذا ماذكرنا في تقريرنا المفصل "حرب على الحرية باسم الحرب على الإرهاب".
فبموجب قانون مكافحة الإرهاب فإن كل أشكال التعبير السلمي هي أعمال مُجرمة وفق القانون الصادر في بدايات العام 1435, العام 2014.
وقد دأبت السلطات السعودية على محاكمة أصحاب الآراء السلمية في المحكمة الجزائية المتخصصة في خلط واضح بين حرية التعبير والعنف، والربط بين المعارضة السلمية والعنف يتضح أنه مقصود لتخويف الناس من المعارضة السلمية ولدفع البعض باتجاه العنف لتبرير حملات القمع المنظمة.
وفي أبريل لعام 2014 وبعده، انطلقت حملة غير منظمة شارك فيها عدد من المواطنين والمواطنات، سُميت فيما بعد بحملة #الشعب_يقول_كلمته وسميت أيضًا #ثورة_الهويات وذلك لانها امتازت بعفويتها وتنوع خطابها وإبراز عدد من المشاركين في مقاطع الفيديو لهوياتهم في دلالة واضحة على الاحباط واليأس من الوضع القائم.
قامت السلطات السعودية بمطاردة المشاركين، واختفت أخبار أغلبهم، وبعد مرور أكثر من عامين لا تزال أخبار أغلبهم مجهولة، ولم تتحقق القسط من مصير عدد من المشاركين باستثناء اثنين في الخارج، وأنباء عن تحويل عدد منهم للمحكمة الجزائية المتخصصة، وأنباء عن خروج أحدهم من السجن ثم إعادته للسجن لاحقًا، وتأكد خروج أحدهم وهو عبدالله بن مبروك عثمان الغامدي، وتأكد محاكمة جابر بن صالح حمدان آل سليمان العمري والحكم عليه بالسجن سبعة أعوام ومثلها منع من السفر وغرامة 50 ألف ريال سعودي.
فيما لم تتوفر معلومات موثقة عن مصير كل من: عبد العزيز محمد فهد الدوسري، متعب الشمري، معاذ محمد الجهني، غالي بن نوار الهذلي، علي الجهني، ماجد الأسمري، يوسف المطيري، محمد الشمري، مسفر الخثعمي، حامد الهذلي، شيماء المالكي، صبا العسيري، فاطمة العبيدي القحطاني، الجازي بنت سطام العنزي، رياض العسيري، محمد آل عيدان، عبدالكريم البلوي، وسعود مرضي عبدالله الحربي الذي اعتقل بعد مشاركته وأكد ذلك أخيه وافي مرضي عبدالله الحربي ثم اعتقل هو أيضًا بسبب مشاركته بمقطع يؤكد فيه اعتقال أخيه.
أما جابر بن صالح حمدان آل سليمان العمري فقد تأكد لدينا خبر محاكمته، والذي كانت مشاركته للمطالبة بخروج أخيه المعتقل الذي انتهت محكوميته ولم يخرج، وقد صور جابر الفيديو بجانب والده المريض الذي يعوله جابر وحيدا بعد اعتقال أخيه لأكثر من عشرة أعوام، كما أن جابر البالغ من العمر 40 عامًا ومتزوج وأب لثلاثة أطفال.
اعتقل جابر في 13 جمادى الثانية لعام 1435 الموافق 12 أبريل 2014 عند خروجه من منزله في طريقه لوالده في المستشفى، اعادوه لمنزله ودخلوا المنزل بأسلحتهم يقتادون جابر العمري بالكلبشات امام أسرته واطفاله.
أخذوه بعدها لسجن المباحث العامة بالرياض، وتم التحقيق معه في سجن المباحث وبقي لديهم لقرابة الشهر، تم نقله بعدها للبحث الجنائي وبقي معتقلا لدى البحث الجنائي حتى تاريخ 1435/8/24 الموافق 21 يونيو 2014 ثم تم نقله لسجن الملز الذي بقي فيه حتى 1436/10/14هـ الموافق 30 يوليو 2015 حيث تم نقله لإصلاحية سجن الحائر، وفي 1436/11/1هـ الموافق 15 أغسطس 2015 تم نقله إلى إصلاحية الرياض.
وفي شهر رجب من العام 1436هـ حكمت المحكمة الجزائية المتخصصة في محاكمة سرية على جابر العمري بالسجن لمدة سبعة أعوام تليها سبعة أعوام أخرى منع من السفر، وغرامة 50 ألف ريال.
وكانت أبرز التهم الموجهة إليه هي: *التحريض على الخروج على ولي الأمر وإثارة الفتنة والتأليب ضد الدولة والقدح في مسؤوليها ووصفها بالظلم *إنتاج وتخزين وإرسال مقطع فيديو من شأنه المساس بالنظام العام
لم يُسمح للعمري بتوكيل محامي، ولم يكن لديه محامي منذ بداية التحقيق حتى إصدار الحكم، ولم يسمح لأحد بحضور المحاكمة التي كانت سرية تماما وتفتقد للكثير من شروط المحاكمات العادلة.
القسط تدعوا السلطات السعودية إلى الفصل التام بين العنف وبين حرية التعبير عن الرأي، وتدعوها إلى عدم تحريض الشباب المحبط ودفعهم باتجاه العنف وتجريم أعمالهم المدنية واحتجاجاتهم السلمية.
كما ندعوا إلى مزيد من الضغط على السلطات السعودية للتوقف عن محاربة التعبير عن الرأي، والتوقف عن خلط المطالب السلمية بالعنف، والتوقف عن توظيف قضايا الأمن وصنعها لمزيد من القمع ضد المجتمع السعودي.
وندعوا إلى الكشف العاجل عن مصير كل من شاركوا في حملة #ثورة_الهويات.
كما يجب إسقاط جميع التهم عن جابر العمري والإفراج عنه حالًا دون قيد أو شرط، حيث أنه تم الحكم عليه بناء على أعمال سلمية مشروعة، وتم الحكم عليه من محكمة غير شرعية، وفي محاكمة سرية وبلا محامي وتفتقد لكل شروط العدالة.