أُعدم الصحفي السعودي تركي الجاسر بشكل مفاجئ في 14 يونيو، بعد سبع سنوات من الإخفاء القسري، وذلك بتهم غامضة تتعلق بالإرهاب والخيانة وتعريض الأمن القومي للخطر. ويجسّد هذا الإعدام بشكل صارخ مدى تطرف السلطات السعوديّة في قمعها لأشكال المعارضة السلمية.
كان تركي الجاسر صحفيًا في صحيفة "التقرير"، وتناول في تقاريره مواضيع حسّاسة من بينها حقوق المرأة، والفساد، ومعاناة الفلسطينيين. اعتُقل في مارس 2018 بعد مداهمة منزله، ومنذ ذلك الحين انقطعت أخباره تمامًا حتى فبراير 2020، حين أفادت السلطات، ردًا على استفسار الفريق العامل المعني بحالات الاختفاء القسري في الأمم المتحدة، بأنه محتجز في سجن الحائر بالرياض ويخضع للتحقيق بتهم تتعلق بالأمن القومي. كما سُمح له حينها، وللمرة الأولى والأخيرة منذ اعتقاله، بالتواصل مع عائلته. غير أنه اختفى قسرًا مرة أخرى بعد ذلك التاريخ، حيث امتنعت السلطات عن الكشف عن وضعه القانوني أو مكان وجوده، وحرَمته من أي اتصال بالعالم الخارجي.
في 14 يونيو 2025، أعلنت وزارة الداخلية السعوديّة تنفيذ حكم الإعدام بحق تركي الجاسر، استنادًا إلى مجموعة من التهم المتنوعة والغامضة للغاية، من بينها "ارتكاب جرائم إرهابية" مثل "الخيانة العظمى من خلال التخابر والتآمر على أمن المملكة مع أشخاص خارجها"، و"تلقيه مبالغ مالية منهم بغرض تمويل الأنشطة الإرهابية"، و"الإخلال بأمن المجتمع واستقرار الدولة".
ورغم غياب أي تفاصيل إضافيّة بشأن تنفيذ حكم الإعدام بحق تركي الجاسر، وهو أمر معتاد في ظل انعدام الشفافية في السعوديّة، إلا أن قضيته تحمل جميع سمات النمط المتبع من قبل السلطات، حيثُ يتم الخلط المتعمد بين التعبير السلمي عن الرأي والإرهاب. وتُستخدم بانتظام تهم مبهمة مثل "الإخلال بالنظام العام" و"زعزعة الأمن" بموجب قانون مكافحة الإرهاب القمعي في البلاد، لتجريم الناشطين والصحفيين والمعارضين السلميين، وصولًا أحيانًا إلى الحكم عليهم بالإعدام.
كما لا تزال ممارسة الإخفاء القسري، المحظورة بموجب القانون الدولي، منتشرة على نطاق واسع في السعوديّة، وتُطبَّق بشكل ممنهج على معتقلي الرأي. وأثناء فترة الإخفاء القسري، يُحتجز الأفراد خارج إطار الحماية القانونيّة، مما يجعلهم عرضةً بشكل أكبر لانتهاكات جسيمة أخرى لحقوق الإنسان، من بينها التعذيب.
إن انعدام الشفافية في قضية تركي الجاسر يعزز المخاوف التي طالما أثارتها المنظمات غير الحكومية، من أن العدد الحقيقي للأشخاص المعرّضين لخطر الإعدام، وكذلك حجم انتهاكات حقوق الإنسان في السعوديّة عمومًا، يفوق بكثير ما هو معلن أو خاضع للرصد. وهذا ما يثير قلقًا بالغًا بشأن مصير أفراد آخرين ممن تعرضوا للإخفاء القسري، من بينهم عامل الإغاثة عبدالرحمن السدحان، والداعية سليمان الدويش.
هذا وتأتي عملية إعدام تركي الجاسر في ظل موجة متصاعدة من عمليات الإعدام في السعوديّة. فقد أُعدم ما لا يقل عن 149 شخصًا حتى الآن في عام 2025، ما يمثّل زيادة بنسبة 80% مقارنةً بالفترة نفسها من عام 2024، وهو العام الذي شهد أعلى عدد من الإعدامات في تاريخ المملكة، حيثُ بلغ 345 عملية إعدام. ويُلاحظ أن الغالبية العظمى من عمليات الإعدام هذا العام (93 حالة) نُفذت بسبب جرائم تتعلق بالمخدرات لا تنطوي على القتل، فيما نُفذت 14 حالة على خلفية تهم تتعلق بالإرهاب، وهي تهم يمكن، بحسب التعريف المتنوع والغامض المعتمد في القانون السعودي، أن تشمل مجموعة واسعة من الأفعال غير المميتة. وتشكّل كلا الفئتان من الإعدامات انتهاكًا صريحًا للقانون الدولي لحقوق الإنسان، الذي يحظر استخدام عقوبة الإعدام في الجرائم التي لا ترقى إلى مستوى "أخطر الجرائم".
في المقابل، يكشف الإعدام الصادم لتركي الجاسر أن موجة الإفراجات الأخيرة عن بعض السجناء لا يمكن اعتبارها نقطة تحوّل في سجل السلطات السعوديّة السيّئ في مجال حقوق الإنسان، ولا في تعاملها مع معتقلي الرأي.
وفي ظل الحجم المقلق الذي تُنفذ به عمليات الإعدام في السعوديّة، نكرر دعوتنا للسلطات هناك إلى إعلان وقف رسمي وفوري لتنفيذ أحكام الإعدام، تمهيدًا لإلغاء هذه العقوبة بشكل كامل في جميع القضايا. وإلى حين الإلغاء الكامل لعقوبة الإعدام، يجب على السعوديّة أن تبادر فورًا إلى تعديل تشريعاتها بإزالة جميع البنود التي تتيح فرض هذه العقوبة على جرائم لا تستوفي معيار "أخطر الجرائم"، بما يشكّل انتهاكًا صريحًا للقانون الدولي لحقوق الإنسان.
بالإضافة إلى ما سبق، تحثُ منظمة القسط لحقوق الإنسان السلطات السعوديّة إلى وضع حدٍ لممارسة الإخفاء القسري، والإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع من اعتُقلوا لمجرد ممارستهم السلمية لحقوقهم وحرياتهم الأساسية.