انتقل إلى رحمة الله أحد روّاد الدفاع عن حقوق الإنسان في السعودية الدكتور عبد الله الحامد في يوم 23 أبريل 2020 في مدينة الملك سعود الطبية بعد إصابته بجلطة دماغية قبل ذلك بأسبوعين في 9 أبريل 2020، وقد كان الحامد يعاني من وضع صحي متدهور استمر عدة أشهر، فقد أعلمه الطبيب بحاجته العاجلة إلى عملية قسطرة في القلب منذ بداية العام، وقررت السلطات مخالفة الرأي الطبي وأخبرته أنها ستجري العملية في شهر رمضان.
وعلى الرغم من حالته الصحية المتردّية وكبر عمره والانتشار السريع لكوفيد-19 وغيره من الأمراض المعدية، رفضت السلطات الإفراج عن الدكتور الحامد، بل وتعمدت منعه من الاتصال والزيارة كلما تردت حالته الصحية، وهدّدته بقطع الاتصال عندما يتحدث أو يلمح لتردي حالته الصحية، وفرضت رقابة مكثفة على مكالماته وأيضًا حديثه مع بقية النزلاء خشية تسرب أمر تردي حالته الصحية إلى الخارج، واستمر هذا الحال لعدة أشهر حتى سقط مغمى عليه في السجن في 9 أبريل الماضي ونقل إثرها إلى المستشفى في مدينة الملك سعود الطبية وشُخِّصَ بجلطة دماغية حادة أدخلته في غيبوبة، وبقي في وحدة العناية المركزة حتى توفي مساءَ 23 أبريل 2020.
كان الحامد أكاديميًا وكاتبًا، وقد ألّف العديد من الكتب حول مسألة الإصلاح في السعودية مقدّمًا إياها من منظور يسعى للموافقة بين التراث الإسلامي والمفاهيم الحديثة، وذلك لإيمانه بتأصُّل قيم حقوق الإنسان والقيم الديموقراطية في الشريعة والثقافة والمؤسسات الإسلامية، ونادى الحامد لإقامة ملكية دستورية وتدعيم المجتمع المدني كفضاء للدفاع عن حقوق الناس في وجه الانتهاكات والحكم السلطوي، وتلقى عبد الله الحامد جائزة رايت لايفليهود (نوبل البديلة) لعام 2018 مع الدكتور محمد القحطاني والناشط وليد أبو الخير “تقديرًا لما قدموه من جهود حالمة وشجاعة، مسترشدين بمبادئ حقوق الإنسان العالمية”.
علّق مدير القسط يحيى عسيري: “عبد الله الحامد إصلاحي لم يعط حقه، سعت السلطات لقمعه بشكل دائم ومحاولة إخفاء صوته بشكل مستمر، كان سباقًا في السعي للإصلاح الدستوري والحقوقي والسعي لفصل السلطات ورفض الاستبداد والفساد، رحيله بهذه الطريقة التي لا نبرّئ السلطات منها لن يغيّب صوته ولن يقتل مشاريعه، سيُخلد التاريخ اسم الحامد ونضاله الحقوقي وسيعرف العالم حجم نضال شعبنا لنيل حريتهم، سيعرف العالم ذلك عن طريق تضحية الحامد الذي دفع كل عمره في سبيل مشروعه الإصلاحي”.
بدأ مشروع الحامد الإصلاحي قبل أكثر من ربع القرن، فهو كان أحد مؤسسي لجنة الدفاع عن الحقوق الشرعية في 1993، وكان أحد أهدافها إطلاق سراح المعتقلين السياسيين ورفع الظلم، وشارك في تأسيس جمعية الحقوق المدنية والسياسية في السعودية (حسم) في أكتوبر 2009 مع مجموعة من كبار المدافعين عن حقوق الإنسان، بمن فيهم أخويه عيسى وعبد الرحمن، وقد أدانت جمعية حسم انتهاكات حقوق الإنسان في المملكة وساعدت الضحايا على رفع شكاوى قانونية ضد المسؤولين عنها، ودعت إلى إقامة ملكية دستورية وقضاء مستقل وحرّيات أوسع وتكريس ضمانات المحاكمة العادلة، وفي 2013 أمرت المحكمة بحلّ جمعية حسم ومنعها من العمل وحوكم كل أعضاؤها على خلفية نشاطهم الحقوقي، وما يزال أغلبهم يقضون محكوميات طويلة في السجن حتى يومنا هذا.
تكرر اعتقال الدكتور الحامد ست مرات منذ 1993 لنشاطه الدؤوب رغم المضايقة والسجن والتعذيب، كان آخرها اعتقاله في مارس 2013 حين حكمت عليه المحكمة الجزائية المتخصصة بالرياض بالسجن خمس سنوات وإكمال ما بقي من حكم سابق في قضية الإصلاحيين الثلاثة ليكون المجموع إحدى عشر سنة، تتلوها خمس سنوات من منع السفر، على خلفية تهم كلها تتعلق بنشاطه الحقوقي السلمي، من ضمنها الدعوة للتظاهر السلمي والمشاركة في تأسيس جمعية مدنية غير مرخصة وتقديم معلومات زائفة عن السلطات لمنظمات مرتبطة بالأمم المتحدة وتحريض المنظمات الدولية على السعودية وإثارة الرأي العام ضد المؤسسات الأمنية وكبار المسؤولين.
قدَّم نشاط عبد الله الحامد وزملائه في جمعية حسم مساهمةً كبيرة في نشر الوعي حول حقوق الإنسان كمنهج للعمل المطلبي السلمي وحول تكريس المفاهيم العالمية لحقوق الإنسان في السعودية، وظلَّت تضحيتهم وإخلاصهم ينبوعًا للإلهام والأمل بالتغيير الحقيقي الذي سيأتي في البلاد لا محالة، وكشفت قضيتهم للمجتمع الدولي والعالم التكتيكات الوحشية التي توظفها السلطات السعودية لقمع النشاط الحقوقي السلمي.
ومنذ عام 2012 وجّهت الإجراءات الخاصة التابعة للأمم المتحدة العديد من النداءات العاجلة إلى السلطات السعودية حول قضية الدكتور الحامد، منها الرأي القانوني الذي أصدره الفريق العامل المعني بمسألة الاحتجاز التعسفي، في 2015، حول قضية الحامد مطالبًا بالإفراج الفوري عنه، وأعلنت هذه المجموعة من الخبراء أن احتجازه تعسّفي وأنه تعرض لمحاكمة غير عادلة وحُرِم من حريته لممارسته حقه الأساسي في حرية التعبير.
تحمّل القسط السلطات السعودية المسؤولية المباشرة في وفاة الدكتور عبد الله الحامد، وتندد بسلوكها المستهتر بصحته وأمنه وحياته، بما في ذلك حرمانه المتعمد من العلاج الصحي الضروري وتعريضه المتكرر لمختلف ضروب التعذيب والمعاملة القاسية في السجن، مما أدّى إلى وفاته. تنادي القسط مجددًا السلطات السعودية بالإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع معتقلي الرأي.