بعد إعادة تأهيل ولي العهد ورئيس مجلس الوزراء السعودي محمد بن سلمان الذي كان منبوذا في وقتٍ سابقٍ بسبب دوره في جريمة قتل جمال خاشقجي، سرعان ما صدرت سلسلةٌ من الأحكام القاسية بالسجن على نحو صادم على خلفية النشاط السلمي على وسائل التواصل الاجتماعي، وحتى أحكامٌ بالإعدام بحق ثلاثة رجال كانوا قد قاوموا الإجلاء من بيوتهم. ووفقًا لتقرير القسط السنوي المنشور اليوم بعنوان انتكاسة جديدة: حقوق الإنسان في السعودية في عام 2022، فإن هذه التطورات الرئيسية المتعلقة بحقوق الإنسان التي شهدتها السعودية في عام 2022 كانت مترابطةً ارتباطًا وثيقًا، وتوجّه رسالةً واضحةً إلى المجتمع الدولي مفادها أن الإفلات من العقاب يولّد المزيد من القمع.
وفي كل عامٍ، يقدّم تقرير القسط السنوي معلومات موثوقة ومفصلة عن حالة حقوق الإنسان في السعودية، بناءً على عملية الرصد والتوثيق التي تقوم بها شبكتها المتفردة من المصادر الميدانية.
وبينما استمرت العديد من الأنماط المألوفة من التعسف في عام 2022، بما في ذلك الاعتقالات التعسفية وحالات الاختفاء القسري والاستهتار البالغ بحياة معتقلي الرأي، تأججت موجة جديدة من القمع اعتبارًا من منتصف العام. وبدأت المحاكم السعودية بإصدار أحكام قاسية بالسجن على نحو غير مسبوق وتغليظ الأحكام بشدةٍ في مرحلة الاستئناف، مما يعزز مناخ الخوف في المملكة. وقد زاد بالفعل استخدام عقوبة الإعدام زيادةً حادةً بعد هدوءٍ ساد خلال فترة كوفيد، بتنفيذ أكبر عملية إعدام جماعي في الآونة الأخيرة (بحق 81 شخصًا) يوم 12 مارس 2022، وعادت للظهور بصورة كبيرة عمليات الإعدام على خلفية الجنايات غير العنيفة المتعلقة بالمخدرات في شهر نوفمبر.
وما كان لافتًا بخصوص تصعيد السلطات قمعها ضد المعارضة هو توقيته. فقد أعرض المجتمع الدولي عن محمد بن سلمان، الحاكم الفعلي للمملكة، منذ أن أصدر على الأوامر بقتل خاشقجي في عام 2018، ولكن أزمة الطاقة التي سببتها حرب روسيا في أوكرانيا في عام 2022 دفعت القادة الغربيين وغيرهم إلى مخالفة ضمائرهم، والتوجه نحو السعودية للحصول على مزيدٍ من إمدادات النفط. وتحققت عودة بن سلمان بنجاحٍ إلى الساحة الدولية، دون عقاب، بفضل الزيارات التي تمت إلى السعودية، بما فيها الاجتماعات التي عقدها معه رئيس وزراء المملكة المتحدة سابقا بوريس جونسون في مارس والرئيس بايدن في يوليو، متبوعةً باجتماع في باريس بين ولي العهد والرئيس الفرنسي إمانويل ماكرون. وفي غضون أسابيع، شهدت حقوق الإنسان في السعودية انتكاسةً جديدةً.
وعلّقت المديرة التنفيذية للقسط جوليا ليغنر قائلة: "شهد عام 2022 النتائج المصيرية لإعادة تأهيل قادة السعودية على الساحة العالمية دون عقاب. وسيلزم الآن في عام 2023 وأكثر من أي وقت مضى اتخاذ إجراءات مبدئية على الصعيد الدولي لمساءلة السلطات السعودية عن الوضع الحقوقي المزري في البلاد وضمان أن يكون الشعب السعودي في صلب أي إصلاحات في المملكة".
وتشمل أبرز النتائج التي خلُص إليها تقرير القسط السنوي المعنون انتكاسة جديدة: حقوق الإنسان في السعودية في عام 2022 ما يلي:
- لا ترقى التشريعات الجديدة التي صدرت في عام 2022 إلى ادعاءات السلطات المتعلقة بالإصلاح، بعدما عزز نظام الأحوال الشخصية الأول في تاريخ المملكة جوانب من نظام الولاية القمعي بدل تفكيكه، ولم يُعلَن عن أي تقدّمٍ بشأن النظام الجزائي الموعود لوضع حد لسلطة القضاة التقديرية في إصدار الأحكام.
- واصلت السلطات السعودية الاعتقال التعسفيّ لأعداد كبيرة من الناس على خلفية الممارسة السلمية لحقهم في التعبير عن الرأي وغيره من الحقوق الأساسية.
- جرى الإفراج عن العشرات من معتقلي الرأي في عام 2022 بعد انقضاء محكوميتهم، ولكن مع فرض قيودٍ قاسيةٍ عليهم مثل منع السفر والعمل والنشاط على شبكات التواصل الاجتماعي بشكلٍ تعسفيٍّ.
- تَواصَل الاعتقال التعسفي للعديد من معتقلي الرأي بعد مدة طويلة من انقضاء مدة محكوميتهم وتعرضوا بدل ذلك للإخفاء القسري أو صدرت أحكام جديدة عليهم بمدد أطول.
- عرّضت السلطات السعودية مرةً أخرى في عام 2022 حياة سجناء بعينهم للخطر عن طريق الإهمال الجسيم وسوء المعاملة المقصود والاختفاء القسري والإهمال الطبي المتعمَّد.
- أصدرت المحاكم السعودية بعض أكثر الأحكام قمعًا على الإطلاق بحق نشطاء سلميين في المملكة، وغلّظت أحكام بعض أولئك المدانين على نحو كبير في مرحلة الاستئناف.
- أعدمت الدولة السعودية 148 شخصا خلال عام 2022، أي أكثر من ضعف عدد الأشخاص الذين نُفذ فيهم حكم الإعدام في عام 2021، بما في ذلك إعدام 81 رجلا في يومٍ واحدٍ. وعادت عمليات الإعدام بقوةٍ على خلفية الجنايات المتعلقة بالمخدرات، على الرغم من إعلانٍ سابقٍ عن وقف استخدام تلك العقوبات.
- واصلت السلطات السعودية مصادرة الأراضي من أجل المشاريع الإنمائية الحكومية وهدم الممتلكات الخاصة وتهجير السكان قسريا، ولاسيما في جدة، وشنّت أيضا حملةً استثنائيةً من المتابعات القضائية ضد أفرادٍ من قبيلة الحويطات احتجوا في وقتٍ سابقٍ على ذلك التعامل.
- على الرغم من الهدنة المُرحَّب بها التي كانت ترعاها الأمم المتحدة والتي امتدت من أبريل إلى أكتوبر، استمرت الأطراف المتحاربة في اليمن بارتكاب انتهاكات خطيرة، وما زالت الأزمة الإنسانية المستمرة هناك ضمن الأسوأ في العالم.