اعتمدت الأمم المتحدة يوم 6 فبراير من كل عام يومًا عالميًا لعدم التسامح إزاء تشويه الأعضاء التناسلية للإناث، وهو يوم عالمي يأتي بهدف التوعية وتكثيف الجهود للقضاء على هذه الممارسة المنتشرة في مناطق مختلفة من العالم، من ضمنها الشرق الأوسط وأفريقيا.
وتسعى الأمم المتحدة للقضاء على ممارسة ختان الإناث بحلول 2030 وهي تسرّع من جهودها لتحقيق هذا الهدف، حيث يعد تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية بمثابة ممارسات تقليدية عُرفية ودينية في بعض الثقافات تشمل تشويه كامل الأعضاء التناسلية الخارجية للأنثى أو إزالتها جزئيًّا أو كليًّا، أو إلحاق أضرار أخرى بتلك الأعضاء بدواعٍ لا تستهدف العلاج.
ويعد تشويه الأعضاء التناسلية للمرأة جريمةً، وأحد أشكال التمييز ضد المرأة، هو كإزالة أو تشويه أي عضو آخر في جسم المرأة، ويعد انتهاكًا لحقوق الإنسان وأحد أشكال العنف الممارس ضد المرأة.
كذلك، بحسب ما نشرته منظمة الصحة العالمية في موقعها الرسمي عن تشويه الأعضاء التناسلية للإناث، لا توجد أي فوائد للختان، بل له أضرار أولية تحدث بعد إجراء عملية الختان مباشرة، وأضرار أخرى مزمنة.
وتختلف الأضرار بحسب نوع الختان، فبعد إجراء عملية الختان مباشرة تحدث آلام شديدة مستمرة في الأعضاء التناسلية وتتورم الأنسجة، كما أن الختان يتسبب بإزالة الطبقة التي تقوم على حماية العضو التناسلي للمرأة من الميكروبات والجراثيم؛ ما يؤدي إلى التهابات حادة وسهولة انتقال للعدوى، وفي بعض الحالات يحدث نزيف حاد لا يمكن السيطرة عليه قد يؤدي إلى وفاة الفتاة.
وعلى المدى البعيد قد يؤثر الختان على المرأة بأضرار صحية مزمنة ومتقدمة في المسالك البولية، فالمرأة التي يتم ختانها قد تواجه آلامًا أثناء التبول، والتهابات مستمرة تتسبب في إفرازات وحكة، بالإضافة إلى آلام شديدة في فترة الحيض وصعوبة مرور الدم.
وعند ممارسة الجنس يتسبب الختان بآلام تؤثر على متعة المرأة، وفي حالات أخرى يُفقد الختان المرأة القدرةَ على الشعور بمنطقة "البظر" مما يتسبب بفقدان المتعة.
ويزداد الأمر سوءاً عند الولادة، فالمرأة التي يتم ختانها قد تواجه صعوبة ومضاعفات في المخاض، مثل تعسّر الولادة، والنزيف الحاد، والحاجة لإجراء الولادة القيصرية، وقد يؤدي كل هذا إلى وفاتها ووفاة طفلها، أو تضررهما.
وقد تؤدي تجربة الختان إلى تأثير نفسي سلبي على النساء مثل الاكتئاب، واضطرابات ما بعد الصدمة، والخوف من الزواج وممارسة الجنس.
وفي السعودية لا توجد إحصائيات وطنية عن مدى انتشار تشويه الأعضاء التناسلية للإناث، ولكن بعض الدراسات المجراة على نطاق صغير استنتجت وجود الممارسة وتأثيرها على النساء والفتيات السعوديات والجاليات المقيمة في السعودية، وأفادت إحدى الدراسات التي أجريت في جدة بين عامي 2016 و2017 أن 18% من النساء والفتيات اللاتي شملتهن الدراسة خضعن للختان، وأرادت الغالبية منهن أن يتوقف. في حين أن دراسة أخرى أُجريت عام 2018 في منطقة حلي على الساحل الغربي قدرت الانتشار ضمن العينة المبحوثة بنسبة 80% مع عمليات قطع يتم إجراؤها من قبل أطباء في جميع الحالات تقريبًا.
وفي السعودية، لا وجود لقانون خاص بتجريم ختان المرأة. في حين أن نظام حماية الطفل الذي تم إصداره عام 2014 يضمن للأطفال "الحق في الحماية من كل أشكال الإيذاء أو الإهمال" (المادة 6)، ورغم أن تعريفه لـ (الإيذاء) يتضمن "تعرض الطفل لضرر أو إيذاء جسدي" أو إلى "تعرض الطفل لسوء التعامل الذي قد يسبب له أضرارًا نفسية أو صحية"، إلا أن تشويه الأعضاء التناسلية للإناث ليس من ضمن الـ 14 نوعًا من الإيذاء والإهمال المدرجة في النظام، كما لا يندرج ضمن المحظورات المنصوص عليها في النص القانوني. كما أن السلطات لا تباشر إلا بشكل محدود لمعالجة قضايا الختان التي تخرج بشكل فاضح يؤدي إلى الإضرار الجسدي الواضح الذي يقود الطفلة أو الفتاة إلى المستشفى للعلاج.
فإذا لم تؤدِّ حالةُ الختان إلى ضرر بالغ وواضح على الضحية يؤدي بها إلى دخول المستشفى؛ يمكن أن يتم التغاضي عنه وتجاهله من قِبل المؤسسات الحكومية، كما حدث مع حالة ختان طفلة في عسير عام 2020. حيث رُصدت حالة ختان لطفلة في المنزل في منطقة عسير جنوب السعودية، ولم يكن سبب التدخل الحكومي هو أن والديها قد عرَّضَاها للختان، إنما "الإيذاء الجسدي والنفسي الذي تعرضت له" عندما تم إجراء الختان "في المنزل بطريقة بدائية". حيث أفادت صحيفة سعودية أن الجهات المختصة من النيابة العامة إلى إمارة منطقة عسير، أصدرت توجيها عاجلا باتخاذ "الإجراءات اللازمة" وفقا لنظام حماية الطفل، ولكنها لم تذكر مضمون هذه الإجراءات، أو إذا ما تم تنفيذها بالفعل. وقيل إن الوالدين لم يكونا على علم بالعواقب الضارة المحتملة لهذا الفعل، وكجزء من الرد الرسمي وجه مدير فرع وزارة الشؤون الإسلامية بعسير جميع مديري المساجد بإبلاغ خطباء الجوامع بالتطرق للمخاطر الصحية لـ "هذه العادة"، وتوجيه الأسر لتجنبها.
ولا تضع السلطات السعودية من خلال نظام الولاية حدودًا واضحة لسلطة (ولي الأمر) وصلاحياته، وعادة ما تتساهل المؤسسات الحكومية إذا ما وقع جُرم أو إساءة على أحد التابعين للوالدين من الأبناء والبنات، كالعنف الأسري الذي عادة ما يقع بشكل مضاعف على الفتيات والنساء، وقد فشلت السلطات السعودية في معالجة هذا الملف بشكل واضح، ما يصعّب من جهود الأمم المتحدة للقضاء على تشويه الأعضاء التناسلية للإناث، فنظام الولاية يقيد القدرة على رفض ممارسة ختان المرأة ضمن نطاق الأسرة أو التبليغ عنه.
وتعد العادات والتقاليد أيضًا أحد العوامل المؤثرة على انتشار ممارسات تشويه الأعضاء التناسلية للإناث، وعادة ما تتوارث من جيل لجيل، وكثير ممن يقوم بها من قبيل العادات والتقاليد لا يدرك أضرارها، ويعتقد أن لها فوائد تنعكس على الصحة والنظافة والعفة.
وعادة من يرفض القيام بمثل هذه الممارسات في محيط اجتماعي متقبل لها يواجه ضغطًا اجتماعيًّا كبيرًا يدفعه للقبول بها تحت تأثير قوة العُرف، كما أن للعائلة دورًا مهمًّا في تقرير ممارسات الختان، ويصعب على وجه الخصوص الإفلات من السلطة الأبوية الواسعة على الأبناء؛ وهذا ما يفاقم المشكلة؛ ويقلل من فرص علاجها.
وأيضًا يلعب الدِّين دورًا مهمًّا في تشكيل سلوكيات وأفكار المجتمع في السعودية، وهو ما يجعل للفتاوى الدينية وآراء رجال الدين تأثيرًا مهمًّا على ممارسات تشويه الأعضاء التناسلية للإناث.
على سبيل المثال جامعة الأزهر في مصر، وهي واحدة من أكبر المؤسسات الدينية الإسلامية، تعتبر ختان الإناث ضارًّا للفتاة والمجتمع، وأنه لم ترد فيه أوامر شرعية، ويجوز إيقاع العقوبة على من يزاوله. ومن الفتاوى التي أصدرت من رجال الدين في مصر هي فتوى من مفتي مصر بتاريخ 10 نوفمبر 2021 يؤكد فيها على تحريم هذه العادة، واعتبرها جريمة، بينما تستمر المؤسسات الدينية السعودية الرسمية في اعتباره "من سنن الفطرة، ومستحبًّا" وذلك بحسب فتوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، وهي أهم مؤسسة دينية رسمية في السعودية معنية بالإفتاء. ولعب عددٌ من الفتاوى دورًا مهمًّا في تواجد واستمرار هذه الممارسات؛ مثل فتوى المفتي السابق للسعودية عبدالعزيز بن باز الذي أفتى بأن ختان الإناث "مُستحب" و"سُنة".
أجرت القسط مؤخرا مقابلات مع عدد من الشابات السعوديات اللاتي خضعن لتشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية للتعرف على وجهات نظرهن فيما يتعلق بهذه العادة الضارة. وأفادت إحدى الفتيات اللاتي تعرضن للختان في السعودية بأن الوعي في محيطها متدنٍّ، وكثيراً ما كان تُمارِس الجدَّات الضغط على الوالدين لختان الإناث، وأن بدء اختفاء عادة الختان يعود لعدم توريث هؤلاء الجدّات مهارة الختان.
وقالت فتاة أخرى تحدثت معها القسط إن ختان الإناث عادة منتشرة في جنوب السعودية، وأن جميع أخواتها الأكبر والأصغر سنًا ضحايا لهذه الممارسة، وتذكر أن ختانها كان في مستوصف طبي خاص في مدينة جدة غرب السعودية، حيث تم قطع جزء من منطقة البظر وهذا ما يجعلها تشعر بالمنطقة بشكل جزئي غير كامل.
وأضافت أن كثيرًا ما يتم ختان الإناث في محيطها من خلال نساء يدّعين أنهن متخصصات في ختان الإناث، ومؤخرًا أصبح البعض من أقربائها يقُمن بختان الإناث في مراكز طبية خاصة، دون وجود الرقابة أو القوانين الصارمة لمنعهن، وترى أنّ بعض النساء لا يرغبن في ختان بناتهن ولكن يواجهن ضغط المجتمع من خلال أزواجهن أو من كبار السنّ من الأجيال السابقة.
وتقدم القسط مجموعةً من التوصيات التي ترى أنها ضرورية من أجل القضاء على ظاهرة تشويه الأعضاء التناسلية للإناث (المسماة بالختان) تتلخص في:
- سنّ قوانين تجرِّم هذه الممارسة (الختان) مع تشديد العقوبة سواء على المؤسسات التي توفر أو تقدم تلك خدمات، أو على الأهالي والأسَر التي تجبر فتياتها على الختان.
- القيام ببحث ميداني موسَّع لمعرفة الأرقام الحقيقية لظاهرة الختان.
- تقديم التوعية المناسبة عبر كافة المنافذ المتوفرة مثل المستشفيات والمراكز الصحية والمدارس وغيرها، حول مخاطر الاستمرار في ممارسة الختان على الإناث.
- توفير خط ساخن لتلقي البلاغات في حالة حدوث هذه الظاهرة، من أجل ضمان وجود رد الفعل المناسب والسريع من السلطات وتوفير الحماية اللازمة للفتيات.
المصادر والمراجع:
- منظمة الصحة العالمية، تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية، 2022 متاح على الرابط: https://www.who.int/ar/news-room/fact-sheets/detail/female-genital-mutilation
- صندوق الأمم المتحدة للسكان، حالة سكان العالم 2021، متاح على الرابط: sowp2021_report_-_ar_v411_0.pdf (unfpa.org)
- الجمعية العامة للأمم المتحدة، الدورة السابعة والستون، 2012 متاح على الرابط: https://undocs.org/ar/A/RES/67/146
- صحيفة سبق الالكترونية، "ختان طفلة" بطريقة بدائية يستنفر عدداً من الجهات المختصة بعسير، 2020، متاح على الرابط: https://sabq.org/8Mhc3t
- المملكة العربية السعودية، نظام حماية الطفل، 2014، متاح على الرابط: https://laws.boe.gov.sa/BoeLaws/Laws/LawDetails/2d3cb83a-0379-4cde-8e0b-a9a700f272bd/1
- صحيفة الدستور، الأزهر يرد على النائب العام في مسألة الحكم الشرعي للختان، 22 فبراير 2020، متاح على الرابط: https://www.dostor.org/3009332
- دار الإفتاء المصرية، حكم ختان الإناث، فتوى رقم 16487، 10 نوفمبر 2021، متاح على الرابط:https://www.dar-alifta.org/Home/ViewFatwa?ID=16487&title=%D8%AD%D9%83%D9%85%20%D8%AE%D8%AA%D8%A7%D9%86%20%D8%A7%D9%84%D8%A5%D9%86%D8%A7%D8%AB%20%D9%81%D9%8A%20%D8%A7%D9%84%D8%B4%D8%B1%D9%8A%D8%B9%D8%A9%20%D8%A7%D9%84%D8%A5%D8%B3%D9%84%D8%A7%D9%85%D9%8A%D8%A9%20-%20%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%B3%D8%AA%D8%A7%D8%B0%20%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%83%D8%AA%D9%88%D8%B1%20/%20%D8%B4%D9%88%D9%82%D9%8A%20%D8%A5%D8%A8%D8%B1%D8%A7%D9%87%D9%8A%D9%85%20%D8%B9%D9%84%D8%A7%D9%85
- الرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء، فتوى رقم 17740 حكم ختان البنات، متاح على الرابط: https://www.alifta.gov.sa/Ar/IftaContents/Pages/FatawaDetails.aspx?View=Page&PageID=11449&CultStr=ar&PageNo=1&NodeID=1&BookID=3
- موقع الإمام ابن باز، حكم ختان المرأة، متاح على الرابط: https://binbaz.org.sa/fatwas/5478/%D8%AD%D9%83%D9%85-%D8%AE%D8%AA%D8%A7%D9%86-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B1%D8%A7%D8%A9
- مقابلات فردية خاصة لفتيات تم ختانهن، المملكة العربية السعودية، العام 2022.
- تشويه/بترالأعضاء التناسلية للإناث: دعوة إلى العمل العالمي للتصدي لهذه الظاهرة https://d3n8a8pro7vhmx.cloudfront.net/equalitynow/pages/2280/attachments/original/1584958492/FGMC_Report_Ar.pdf?1584958492
- ممارسة تشويه / بتر الأعضاء التناسلية للإناث في منطقة الشرق الأوسط
https://d3n8a8pro7vhmx.cloudfront.net/equalitynow/pages/2310/attachments/original/1594719466/FGM_Global_-_Arabic_vers_-_03_%281%29.pdf?1594719466