في يوم 2 نوفمبر، بمناسبة اليوم العالمي لإنهاء الإفلات من العقاب على الجرائم المرتكبة ضد الصحفيين، تكرر القسط دعوتها المجتمع الدولي إلى التعامل بحزم وجديّة مع الجرائم المرتكبة ضد الصحفيين في السعودية، وملاحقة ومعاقبة الجناة وضمان عدم إفلاتهم من العقاب.
في خضم الحالة الحقوقية المتردية في السعودية، تعرّض العديد من الصحفيين والكتاب للاعتقال والملاحقة والمضايقة الأمنية، منهم الصحفية مها الرفيدي، التي علمت القسط أنّ المحكمة العليا حكمت عليها في أواخر عام 2021 بالسجن لمدة ست سنوات ومثلها منع من السفر، على خلفية نشاطها السلمي على تويتر حيث نشرت عدة تغريدات عبرت فيها عن دعمها لحقوق الإنسان، ويمثل ذلك زيادةً على الحكم السابق الذي أصدرته المحكمة الجزائية المتخصصة بسجنها لمدة خمس سنوات مع وقف تنفيذ نصف المدة، مع العلم أنها اعتقلت في سبتمبر 2019، وبالتالي من المفترض خروجها في يوليو 2025. ويأتي هذا الخبر وسط موجة غير مسبوقة من أحكام السجن المطولة للغاية أصدرت بحقّ نشطاء سلميين في السعودية على خلفية ممارستهم لحقهم في حرية التعبير.
وقد استمر احتجاز غيره من معتقلي الرأي رغم انقضاء محكومياتهم تمامًا، ومنهم الصحفي أحمد الصويان الذي اعتقل في سبتمبر 2017 في حملة اعتقالات طالت عددًا كبيرًا من الصحفيين والأكاديميين، وقد أنهى الصويان الحكم القاضي بسجنه لمدة ثلاث سنوات على خلفية دعاوى معنية بحرية التعبير لكنه ما زال وراء القضبان.
ومع أنّ السلطات السعودية أفرجت عن بعض ممن واصلت احتجازهم بعد انقضاء محكومياتهم، فقد وضعت أغلظ القيود عليهم، مثل المنع التعسفي من السفر والعمل والنشاط على شبكات التواصل الاجتماعي، ففي 3 فبراير من هذا العام أفرج عن الصحفي فهد السنيدي، الذي اعتقل في 11 سبتمبر 2017، بعد مرور سنةٍ تقريبًا على انتهاء الحكم القاضي بسجنه لمدة ثلاث سنوات ونصف السنة على خلفية دعاوى معنية بحرية التعبير، ومثله هي حال علاء برنجي، الممنوع من السفر لمدة ثمان سنوات.
وما زال عدد كبير من الصحفيين والكتاب يقضون أحكامًا مطولة بالسجن إثر ممارستهم السلمية لحقوقهم، مثل الصحفي الأردني عبدالرحمن فرحانة (المحكوم عليه بالسجن لمدة 19 سنة)، والصحفي وجدي الغزاوي (14 سنة)، والكاتب عبدالله المالكي (سبع سنوات)، والمدون والناشط فاضل المناسف (14 سنة)، والمدون والاقتصادي عصام الزامل (15 سنة).
وغيرهم ما زال محتجزًا دون أن توجه إليه تهم أو يحال إلى القضاء، منهم الصحفي تركي الجاسر الذي اعتقل في 15 مارس 2018 بمداهمة قوات الأمن لمنزله، أخفي قسريًّا بعدها لأكثر من 18 شهرًا، ولم يسمح له بالاتصال مع عائلته إلا في فبراير 2020 وبقي بعدها في السجن حتى وقت كتابة هذا البيان محرومًا من التواصل مع عائلته.
وفي سبتمبر 2018، استدرجت السلطات السعودية الصحفي سلطان الجميري، الذي كان مقيمًا حينها في كندا، بعد إعلامه بأنه لا يوجد عليه أي ملاحظات أمنية، فاعتقلته مباشرةً فور وصوله المطار في السعودية، ومكان اعتقاله مجهول حتى الآن ولم توجه إليه أي اتهامات بعد.
واعتقل الصحفي زهير كتبي بطريقة وحشية بمداهمة أمنية لمنزله في 10 يناير 2019، اقتيد بعدها إلى قسم شرطة المنصورة حيث تعرض للضرب والإهانة، واتّهم بعد ذلك بإثارة الفتنة وتقليل هيبة الحكم عند الناس، ولا زال معتقلًا حتى اليوم من دون أن يحال إلى القضاء.
وهذه الممارسات تشكل خرقًا صارخًا للمعايير الدولية لحقوق الإنسان، بل وتخرق حتى بعض التشريعات المحلية، فنظام الإجراءات الجزائية ينص على أنّ الادعاء العام لا يحق له تمديد فترة احتجاز المعتقل لما يزيد عن ستة أشهر كحد أقصى، بعدها يجب الإفراج عنه أو إحالته إلى القضاء، ولكن المادة 19 من نظام مكافحة الإرهاب تنقض هذا الحد.
تؤكد القسط أهمية حرية الصحافة كصمّام أمانٍ وحاجز لضبط تجاوزات السلطات، ما يتطلب توفير بيئة آمنة للصحفيين يستطيعون من خلالها ممارسة مهامهم دون خطر المضايقة أو الملاحقة أو الاعتقال والسجن بل وحتى القتل.
ففي 2 أكتوبر 2018، فُجع العالم أجمع بمقتل الصحفي المخضرم جمال خاشقجي في القنصلية السعودية في إسطنبول، وأصيب الوسط الحقوقي والصحفي كذلك بخيبة أمل كبيرة في ظل إفلات الجاني الحقيقي، ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، من العقوبة حتى الآن، خاصة بعد قرار محكمة تركية في أبريل 2022 بوقف محاكمة 26 متهمًا متورطين في جريمة الاغتيال، وتحويل القضية إلى السعودية، لتنتهي هذه الأخرى، في 7 سبتمبر 2020، بأنْ خففت محكمة الجنايات بالرياض خمسة من أحكام الإعدام التي أصدرت بحقّ المتهمين الإحدى عشر إلى السجن لمدد طويلة، وأنزلت أحكامًا بالسجن على ثلاثة آخرين دون إعلان الأسماء، وأعلنت إغلاق القضية نهائيًّا.
وفي 19 يوليو 2020، توفي الصحفي صالح الشيحي في ظروف غامضة بعد شهرين من الإفراج المفاجئ عنه. والشيحي صحفي بارز اعتقل في يناير 2018، وأحيل إلى المحكمة الجزائية المتخصصة في 8 فبراير، حيث وجهت إليه الاتهامات وأدين وحكم عليه في جلسة واحدة فقط، وذلك بالسجن لمدة خمس سنوات، وكان من تهمه "القدح أو الإساءة للديوان الملكي والعاملين فيه"، إثر انتقاده لما يسمى "حملة مكافحة الفساد" التي قادها ولي العهد محمد بن سلمان.
القسط تعبر عن قلقها البالغ إزاء هذا الاستهداف الممنهج للصحفيين والكتاب، وتدعو السلطات السعودية إلى احترام حق حرية الرأي والتعبير، كما تدعو المجتمع الدولي إلى تفعيل القوانين التي تحمي الصحفيين وملاحقة كافة المتورطين في جرائم ضد الصحفيين ومعاقبتهم مهما كانت مناصبهم.